responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الاغانی نویسنده : ابو الفرج الإصفهاني    جلد : 13  صفحه : 130

14- أخبار المخبل [1] و نسبه‌

أخبار المخبل و نسبه‌

قال ابن الكلبي: اسمه الربيع بن ربيعة، و قال ابن دأب: اسمه كعب بن ربيعة. و قال ابن حبيب و أبو عمرو:

اسمه ربيعة بن مالك بن ربيعة بن عوف بن قتال [2] بن أنف الناقة بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم. شاعر فحل، من مخضرمي الجاهلية و الإسلام، و يكنى أبا يزيد. و إياه عنى الفرزدق بقوله:

وهب القصائد لي النوابغ إذ مضوا

و أبو يزيد و ذو القروح و جرول‌

طبقته في الشعراء

ذو القروح: امرؤ القيس. و جرول: الحطيئة. و أبو يزيد: المخبل. و ذكره ابن سلام فجعله في الطبقة الخامسة من فحول الشعراء، و قرنه بخداش بن زهير، و الأسود بن يعفر، و تميم بن مقبل. و هو من المقلين، و عمر في الجاهلية و الإسلام عمرا كثيرا، و أحسبه مات في خلافة عمر أو عثمان (رضي اللّه عنهما) و هو شيخ كبير. و كان له ابن، فهاجر إلى الكوفة في أيام عمر فجزع عليه جزعا شديدا، حتى بلغ خبره عمر، فردّه عليه.

جزعه على ولده شيبان حين هاجر

أخبرني محمّد بن الحسن بن دريد. قال: حدّثنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمه، و أخبرني به هاشم بن محمّد الخزاعي عن أبي غسان دماذ، عن ابن الأعرابي قال:

هاجر شيبان بن المخبل السعدي، و خرج مع سعد بن أبي وقاص لحرب الفرس، فجزع عليه المخبّل جزعا شديدا، و كان قد أسنّ و ضعف، فافتقر/ إلى ابنه فافتقده، فلم يملك الصبر عنه، فكاد أن يغلب على عقله، فعمد إلى إبله و سائر ماله فعرضه ليبيعه و يلحق بابنه، و كان به ضنينا، فمنعه علقمة بن هوذة بن مالك، و أعطاه مالا و فرسا، و قال: أنا أكلّم أمير المؤمنين عمر في ردّ ابنك، فإن فعل غنمت مالك. و أقمت في قومك، و إن أبي استنفقت ما أعطيتك و لحقت به، و خلّفت إبلك لعيالك. ثم مضى إلى عمر- رضوان اللّه عنه- فأخبره خبر المخبّل، و جزعه على ابنه، و أنشده قوله:

أ يهلكني شيبان في كلّ ليلة

لقلبي من خوف الفراق و جيب [3]

أ شيبان ما أدراك أنّ كلّ ليلة

غبقتك فيها و الغبوق حبيب [4]

غبقتك عظماها سناما أو انبرى‌

برزقك برّاق المتون أريب [5]


[1] المخبل بفتح الباء المشددة: اسم مفعول من خبله تخبيلا. و في الشعراء من يقال له المخبل غير هذا ثلاثة. و هم المخبل الزهيري و الثمالي و كعب المخبل. «المؤتلف و المختلف للآمدي» 177.[4]

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى ؛ ج‌13 ؛ ص130

 

[2] في الأصول: «ابن قبال» صوابه بالتاء كما في «المؤتلف» و «الخزانة» (2: 535).

[3] في ح: «أهلكني». و الوجيب الخفقان.

[4] الغبوق الشرب في العشي.

[5] عظماها تفضيل من العظم. براق المتون عنى به السيف. الأريب المغتال.

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 131

/

شيبان إن تأبى الجيوش بحدّهم‌

يقاسون أياما لهنّ حطوب [1]

لا همّ إلا البزّ أو كلّ سابح‌

عليه فتى شاكي السلاح نجيب [2]

يذودون جند الهرمزان كأنّما

يذودون أوراد الكلاب تلوب [3]

فإن يك غصني أصبح اليوم ذاويا

غصنك من ماء الشباب رطيب‌

فإنّي حنت ظهري خطوب تتابعت‌

فمشي ضعيف في الرجال دبيب‌

إذا قال صحبي يا ربيع لا ترى‌

أرى الشخص كالشخصين هو قريب‌

يخبرني شيبان أن لن يعقّني‌

تعقّ إذا فارقتني تحوب [4]

/ فلا تدخلنّ الدّهر قبرك حوبة

يقوم بها يوما عليك حسيب [5]

- يعني بقوله «حسيب» اللّه عز ذكره-

عمر بن الخطاب يأمر بعودة شيبان إلى أبيه‌

قال فلما أنشد عمر بن الخطاب هذه الأبيات بكى ورق له، فكتب إلى سعد يأمره أن يقفل شيبان بن المخبل و يردّه على أبيه، فلما ورد الكتاب عليه أعلم شيبان و ردّه فسأله الإغضاء عنه، و قال لا تحرمنّي الجهاد. فقال له:

إنّها عزمة من عمر، و لا خير لك في عصيانه و عقوق شيخك. فانصرف إليه، و لم يزل عنده حتى مات.

رواية أخرى في ذلك‌

و أخبرني بهذا الخبر أحمد بن عبيد اللّه بن عمار و الجوهريّ، قالا:

حدّثنا عمر بن شبّة أن شيبان بن المخبل كان يرعى إبل أبيه، فلا يزال أبوه يقول أحسن رعية إبلك يا بنيّ، فيقول أراحني اللّه من رعية إبلك. ثم فارق أباه و غزا مع أبي موسى، و انحدر إلى البصرة، و شهد فتح تستر [6]، فقال فذكر أبوه [7] الأبيات، و زاد فيها قوله:

إذا قلت ترعى قال سوف تريحني‌

من الرّعي مذعان العشي خبوب [8]

قال أبو يزيد و حدّثناه عتاب بن زياد، قال حدّثنا ابن المبارك، قال حدّثنا مسعود عن معن بن عبد الرحمن فذكر نحوه، و لم يقل شيبان بن المخبّل، و لكنه قال: «انطلق رجل إلى الشام»، و ذكر القصة و الشعر.

الزبرقان لا يزوّج أخته خليدة المخبل‌

أخبرنا محمّد بن العباس اليزيدي، قال حدّثني عمّي عبيد اللّه، عن ابن حبيب، قال خطب المخبّل السعديّ‌


[1] حدّهم سيفهم.

[2] البز السلاح. و في الأصول: «البر». السابح الفرس يسبح في جريه.

[3] الهرمزان و الهرمز و الهارموز الكبير من ملوك العجم. و تلوب تحوم.

[4] تحوب بالحاء المهملة تأثم.

[5] الحوبة الذنب.

[6] تستر أعظم مدينة بخوزستان.

[7] في الأصل: «فقال أبوه فذكر أبوه».

[8] المذعان الناقة السلسة المنقادة. و الخبوب من الخب، و هو ضرب من العدو. و في الأصول: «جنوب» و صححها الشنقيطي بما أثبتناه.

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 132

إلى الزّبرقان بن بدر أخته خليدة، فمنعه إيّاها، و ردّه لشي‌ء كان في عقله، و زوّجها رجلا من بني جشم بن عوف، يقال له مالك بن أميّة/ ابن عبد القيس، من بني محارب.

هزال و عبد عمرو يضربان قاتل الجلاس حتى يموت‌

فقتل رجلا من بني نهشل يقال له الجلاس بن مخربة بن جندل بن جابر بن نهشل اغتيالا، و لم يعلم به أحد، ففقد و لم يعلم له خبر، فبينما جار الزبرقان الّذي من عبد القيس قاتل الجلاس ليلة يتحدث إذ غلط، فحدث هزّالا بقتله الرجل، و ذلك قبل أن يتزوّج هزّال إلى الزبرقان، فأتى هزّال عبد عمرو بن ضمرة بن جابر بن نهشل فأخبره، فدعا هزّال قاتل الجلاس فأخرجه عن البيوت، ثم اعتوره هو و عبد عمرو فضرباه حتى قتلاه، و رجع هزال إلى الحيّ و ضرب عبد عمرو حتّى لجأ إلى أخواله بني عطارد بن عوف.

امرأة مالك تحرض على من قتل زوجها فقالت امرأة مالك بن أمية المقتول:

أجيران ابن مية خبّروني‌

أعين لابن ميّة أم ضمار [1]

تجلّل خزيها عوف بن كعب‌

فليس لنسلهم منها اعتذار

المخبل يعير الزبرقان لتزويج هزال بعد قتله جاره و تلاحيهما

/ قال فلما زوّج الزبرقان أخته خليدة هزّالا بعد قتله جاره عيب عليه، و عيّر به، و هجاه المخبل، فقال:

لعمرك إن الزبرقان لدائم‌

على الناس تعدو نوكه مجاهله [2]

أنكحت هزالا خليدة بعد ما

زعمت بظهر الغيب أنك قاتله‌

فأنكحته رهوا كأنّ عجانها

مشقّ إهاب أوسع السّلخ ناجله [3]

يلاعبها فوق الفراش جاركم‌

بذي شبرمان لم تزيّل مفاصله [4]

قال و لجّ الهجاء بين المخبل و الزبرقان حتى تواقفا للمهاجاة و اجتمع الناس عليهما فاجتمعا لذلك ذات يوم، و كان الزبرقان أسودهما، فابتدأ المخبل فأنشده قصيدته:

/أنبئت أن الزبرقان يسبّني‌

سفها يكره ذو الحرين خصالي [5]

قال و إنما سماه ذا الحرين لأنه كان مبدّنا، فكان له ثديان عظيمان، فسبّه بهما و شبّههما بالحرين. و يقال إنه إنما عيّره بأخته و ابنته، و لم يكن للمخبّل ابن في الجاهلية، قال:

فلا يفاخرني ليعلم أيّنا

أدنى لأكرم سودد فعال‌

فلما بلغ إلى قوله:

أبوك بدر كان مشترط الخصى‌

أبي الجواد ربيعة بن قتال [6]

فلما أنشده هذا البيت، قال:

أبوك بدر كان مشترط الخصى‌

أبي ...


[1] الضمار من المال ما لا يرجى رجوعه، و من الدين ما كان بلا أجل.

[2] النوك الحمق.

[3] العجان الاست. و الناجل الشاق للجلد. و قد ذكر في «اللسان» (و هو) تعليل تسمية خليدة «رهوا».

[4] شبرمان بضم أوّله و سكون ثانيه و ضم ثالثه موضع. و تزيل تفرق.

[5] في ح: «نبئت». ذو الحرين صاحب الفرجين.

[6] مشترط الخصى، المشترط القاطع. و الخصى جمع خصية و خصى كقفل.

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 133

ثم انقطع عليه كلامه، إمّا بشرق أو انقطاع نفس، فما علم الناس ما يريد أن يقوله بعد قوله: «و أبي». فسبقه الزبرقان قبل أن يتم و يبين، فقال صدقت، و ما في ذاك إن كان شيخانا قد اشتركا في صنعة. فغلبه الزبرقان، و ضحكوا من قوله و تفرّقوا، و قد انقطع بالمخبل قوله.

زرارة بن المخبل يضرب الطباوي بحجر فيطلب أبوه إلى بغيض بن عامر أن يحمل الدية ثم يكسوه‌

أخبرنا اليزيديّ، قال حدّثني عمي عن عبيد اللّه عن ابن حبيب، قال كان زرارة بن المخبّل يليط [1] حوضه، فأتاه رجل من بني علباء بن عوف، فقال له صارعني. فقال له زرارة إني عن صراعك لمشغول. فجذب بحجزته و هو غافل فسقط، فصاح به فتيان الحي صرع زرارة و غلب. فأخذ زرارة حجرا، فأخذ به رأس العلباويّ، فسأل المخبل بغيض بن عامر بن شماس أن يتحمّل عن ابنه/ الدية، فتحملها و تخلّصه، و كسا المخبل حلة حسنة، و أعطاه ناقة نجيبة، فقال المخبل يمدحه:

لعمر أبيك لا ألقى ابن عمّ‌

على الحدثان خيرا من بغيض‌

أقلّ ملامة أعزّ نصرا

إذا ما جئت بالأمر المريض‌

كساني حلّة حبا بعنس‌

أبسّ بها إذا اضطربت غروضي [2]

غداة جنى بنيّ على جرما

كيف يداي بالحرب العضوض [3]

فقد سدّ السبيل أو حميد

كما سدّ المخاطبة ابن بيض [4]

خبر ابن بيض‌

- أبو حميد بغيض بن عامر. و أما قوله: «كما سدّ المخاطبة ابن بيض»، فإنّ ابن بيض رجل من بقايا قوم عاد، كان تاجرا، و كان لقمان بن عاد يجيز له تجارته في كل سنة بأجر معلوم، فأجازة سنة و سنتين، و عاد التاجر و لقمان غائب، فأتى قومه فنزل فيهم، و لقمان في سفره، ثم حضرت/ التاجر الوفاة فخاف لقمان على بنيه و ماله فقال لهم إن لقمان صائر إليكم، و إنّي أخشاه إذا علم بموتي على مالي، فاجعلوا ماله قبلي في ثوبه، وضعوه في طريقه إليكم، فإن أخذه و اقتصر عليه فهو حقّه، فادفعوه إليه و اتّقوه، و إن تعدّاه رجوت أن يكفيكم اللّه إياه. و مات الرجل، و أتاهم لقمان و قد وضعوا حقه على طريقه، فقال: «سدّ ابن [5] بيض الطريق»، فأرسلها مثلا، و انصرف و أخذ حقه. و قد ذكرت ذلك الشعراء، فقال بشامة بن عمرو:

كثوب ابن بيض وقاهم به‌

فسدّ على السالكين السبيلا

/ قال ابن حبيب و لما حشدت بنو علباء للمطالبة لدم صاحبهم، حشدت بنو قريع مع بغيض لنصر المخبّل، و مشت المشيخة في الأمر، و قالوا هذا قتل [6] خطأ، فلا تواقعوا الفتنة، و اقبلوا الدية. فقبلوها و انصرفوا، فقال زرارة بن المخبل يفخر بذلك:


[1] يليط يطين، و في ح: «يلط».

[2] العنس الناقة الصلبة. أبس يقال بس الإبل ساقها سوقا لينا و زجرها. و الغروض جمع غرض بالفتح، و هو للرحل كالحزام للسرج.

[3] العضوض الشديدة.

[4] البيت و المثل عند الميداني في قوله: «سد ابن بيض الطريق».

[5] ابن بيض بكسر الباء، و يروى بفتحها.

[6] في ح: «قتيل».

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 134

فاز المخالس لما أن جرى طلقا

أمّا حطيم بن علباء فقد غلبا [1]

إني رميت بجلمود على حنق‌

مني إليه فكانت رمية غربا [2]

ليثا إليّ يشقّ الناس منفرجا

لحياه عنّانة لا يتّقي الخشبا [3]

فأورثتني قتيلا إن لقيت إن‌

أفلتّ كانت سماع السّوء الحربا [4]

سعى المخبل في إبل جار بني قشير

ثم أخذ بنو [5] حازم جارا لبني قشير، فأغار عليه المنتشر بن وهب الباهليّ، فأخذ إبله، فسأل في بني تميم حتّى انتهى إلى المخبل، فلما سأله قال له إن شئت فاعترض إبلي فخذ خيرها ناقة، و إن شئت سعيت لك في إبلك. فقال بل إبلي. فقال المخبل [6]:

إنّ قشيرا من لقاح ابن حازم‌

كراحضة حيضا ليست بطاهر [7]

فلا يأكلها الباهليّ تقعدوا

لدى غرض أرميكم بالنواقر [8]

أغرّك أن قالوا لعزة شاعر

فناك أباه من خفير شاعر

فلما بلغهم قول المخبل سعوا بإبله، فردّها عليهم حزن بن معاوية بن خفاجة بن عقيل، فقال المخبل في ذلك:

/تدارك حزن بالقنا آل عامر

قفا حضن الكرّ بالخيل أعسر [9]

فإنّي بذا الجار الخفاجيّ واثق‌

قلبي من الجار العباديّ أوجر [10]

إذا ما عقيليّ أقام بذمّة

شريكين فيها فالعبادي أوجر [11]

لعمري لقد خارت خفاجة عامرا

كما خير بيت بالعراق المشقّر [12]

إنّك لو تعطي العبادي مشقصا

لراشي كما راشى على الطبع أبخر [13]

- راشى من الرّشوة-


[1] في ح: «فار المخالس» بالخاء و في ط «المجالس» بالجيم و في ب، س، ش «فال» بدل «فاز» و المخالس الّذي يأخذه غيره خلسة.

[2] الجلمود الحجر. و الرمية الغرب الّتي لا يدري من رماها.

[3] عنانة مبالغة من العنن، و هو اعتراض الموت.

[4] الحرب الهلاك.

[5] في ح «بني» بالياء و هو تحريف.

[6] في ح إضافة «فقال المخبل قوله».

[7] الراحضة بالحاء المهملة الغاسلة.

[8] النواقر بالقاف، أي الدواهي.

[9] قفا حضن، أي خلفه. و حضن جبل بأعلى نجد. قال:

فما قلص وجدن معقلات‌

قفا حضن بمختلف التجار

و في الأصول: «قنا حصن»، تحريف.

[10] الأوجر الخائف.

[11] في الأصول عقيليا». الأوجر هنا الكاره الناقض للعهد.

[12] المشقر موضع ببلاد العرب. و في الأصل: «جارت خفاجة» و «جير». و خاره صار خيرا منه. و خير اصطفى.

[13] المشقص النصل العريض، و قيل سهم يرمى به.

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 135

المخبل و خليدة بنت بدر

أخبرني هاشم بن محمّد الخزاعي، قال حدّثنا الرياشي، قال حدّثنا الأصمعي، قال مر المخبل السّعدي بخليدة بنت بدر، أخت الزّبرقان بن بدر، بعد ما أسنّ و ضعف بصره، فأنزلته و قرّبته و أكرمته و وهبت له وليدة، و قالت له إنّي آثرتك بها يا أبا يزيد [1] فاحتفظ بها. فقال و من أنت حتى أعرفك و أشكرك؟ قالت لا عليك، قال:

بلى و اللّه أسألك. قالت أنا بعض من هتكت بشعرك ظالما، أنا خليدة بنت بدر. فقال وا سوأتاه/ منك؛ فإني أستغفر اللّه عزّ و جلّ، و أستقيلك و أعتذر إليك. ثم قال:

لقد ضلّ حلمي في خليدة إنّني‌

سأعتب نفسي بعدها أموت‌

فأقسم بالرحمن إنّي ظلمتها

جرت عليها الهجاء كذوب‌

من قصيدة الغناء

و القصيدة الّتي فيها الغناء المذكور بشعر المخبّل و أخباره يمدح بها علقمة بن هوذة و يذكر فعله به و ما وهبه له من ماله، و يقول:

فجزى الإله سراة قومي نضرة

سقاهم بمشارب الأبرار

قوم إذا خافوا عثار أخيهم‌

لا يسلمون أخاهم لعثار

أمثال علقمة بن هوذة إذ سعى‌

يخشى عليّ متالف الأبصار

أثنوا عليّ أحسنوا ترافدوا

لي بالمخاض البزل الأبكار [2]

الشّول يتبعها بنات لبونها

شرقا حناجرها من الجرجار [3]

المخبل و الزبرقان و عبدة و عمرو يحكمون في شعرهم‌

أخبرنا أبو زيد، عن عبد الرحمن، عن عمه، و أخبرنا محمّد بن العباس اليزيديّ قال حدّثني عمي عبيد اللّه، عن ابن حبيب. و أخبرني عمّي، قال حدّثنا الكرانيّ، قال حدّثنا العمريّ، عن لقيط قالوا:

اجتمع الزبرقان بن بدر و المخبل السعديّ و عبدة بن الطبيب و عمرو بن الأهتم قبل أن يسلموا، و بعد مبعث النبي صلّى اللّه عليه و سلم، فنحروا جزورا، و اشتروا خمرا ببعير، و جلسوا يشوون و يأكلون، فقال بعضهم لو أنّ قوما طاروا من جودة أشعارهم لطرنا. فتحاكموا إلى أوّل من يطلع عليهم، فطلع عليهم ربيعة بن حذار [4] الأسديّ، و قال اليزيدي:

فجاءهم رجل من بني يربوع يسأل عنهم، فدلّ عليهم و قد نزلوا بطن واد و هم جلوس يشربون، فلما رأوه سرهم، و قالوا له أخبرنا أيّنا أشعر؟ قال أخاف أن تغضبوا، فآمنوه من ذلك، فقال أما عمرو فشعره برود/ يمنية تنشر و تطوى، و أما أنت يا زبرقان فكأنك رجل أتى جزورا قد نحرت [5]، فأخذ من أطايبها و خلطه بغير ذلك.


[1] في ح: «أبا زيد».

[2] المخاض الحوامل من النوق، أو العشار الّتي أتى عليها من حملها عشرة أشهر. و البزل ما بلغ من الإبل التاسعة. و الأبكار النوق الّتي ولدت أوّل بطن. و الشول جمع شائلة ما أتى عليها من حملها أو وضعها سبعة أشهر فارتفع ضرعها و جف لبنها. و ابن اللبون ولد الناقة إذا كان من العام الثاني و استكمله أو إذا دخل في الثالثة.

[3] الجرجار عشبة لها زهرة صفراء.

[4] حذار في س، ش، أما في ح فخدار بالخاء المعجمة و الدال المهملة، تحريف. و في القاموس: «و ربيعة بن حذار، كغراب جواد معروف».

[5] ح: «ذبحت».

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 136

و قال لقيط في خبره، قال له ربيعة بن حذار و أمّا أنت يا زبرقان فشعرك كلحم لم ينضج فيؤكل، و لم يترك نيئا فينتفع به، و أما أنت يا مخبّل فشعرك شهب من نار اللّه يلقيها على من يشاء [1]، و أما أنت يا عبدة فشعرك كمزادة [2] أحكم خزرها فليس يقطر منها شي‌ء.

استمناح روق للمخبل‌

أخبرنا اليزيدي، عن عمه، عن ابن حبيب، قال كان رجل من بني امرئ القيس يقال له روق مجاورا في بكر بن وائل باليمامة، فأغاروا على إبله و غدروا به، فأتى المخبل يستمنحه، فقال له إن شئت فاختر خير ناقة في إبلي فخذها، و إن شئت سعيت لك. فقال أن تسعى [3] بي أحبّ إليّ. فخرج المخبل فوقف على نادي قومه، ثم قال:

أدّوا إلى روح بن حسّ‌

ان بن حارثة بن منذر

كوماء مدفاة كأنّ‌

ضروعها حمّاء أجفر [4]

تأبى إلى بصص تس

حّ المحض باللبن الفضنفر [5]

فقالوا نعم و نعمة. فجمعوا له بينهم الناقة و الناقتين من رجلين حتى أعطوه بعدّة/ إبله.

و قال ابن حبيب في هذه الرواية: «كان رجل من بني ضبة».

صوت‌

اسل عن ليلى علاك المشيب‌

تصابي الشيخ شي‌ء عجيب‌

إذا كان النسيب بسلمى‌

لذّ في سلمى طاب النسيب‌

إنما شبّهتها إذ تراءت‌

عليها من عيون رقيب‌

بطلوع الشّمس في يوم دجن‌

بكرة أو حان منها غروب‌

إنني فاعلم إن عزّ أهلي‌

بالسّويداء الغداة غريب [6]

الشعر لغيلان بن سلمة الثّقفيّ، وجدت ذلك في جامع شعره بخط أبي سعيد السكريّ، و الغناء لابن زرزور الطائفي، خفيف ثقيل أوّل بالوسطى، عن يحيى المكي، و فيه ليونس الكاتب لحن ذكره في كتابه، و لم يجنّسه [7].


[1] على من يشاء، ساقطة من ح.

[2] المزادة الراوية. و قيل لا تكون إلا من جلدين بينهما ثالث لتتسع.

[3] في الأصول: «بل يسعى بي».

[4] الكوماء الناقة العظيمة الضخمة السنام. و المدفأة الكثيرة الوبر و الشحم. و الأجفر يقال جفر ولد الشاة، إذا عظم و استكرش أو بلغ أربعة أشهر. و الحماء الاست. و في الأصول: «جماة».

[5] تسح تنزل. و المحض اللبن الخالص. و في البيت تحريف ظاهر.

[6] السويداء موضع بالحجاز بعد المدينة على طريق الشام.

[7] لم يجنسه لم يذكر نوع لحنه.

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 137

15- أخبار غيلان و نسبه‌

أخبار غيلان و نسبه‌

غيلان بن سلمة بن معتّب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قسيّو هو ثقيف. و أمّه سبيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، أخت أمية بن شمس بن عبد مناف.

أدرك الإسلام فأسلم بعد فتح الطائف، و لم يهاجر، و أسلم ابنه عامر قبله، و هاجر، و مات بالشام في طاعون عمواس [1] و أبوه حيّ.

و غيلان شاعر مقل، ليس بمعروف في الفحول.

وصف بادية بنت غيلان‌

و بنته بادية بنت غيلان الّتي قال هيت المخنّث لعمر بن أم سلمة أمّ المؤمنين، أو لأخيه سلمة [2]: «إن فتح اللّه عليكم الطائف فسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أن يهب لك بادية بنت غيلان، فإنها كحلاء؛ شموع نجلاء [3]، خمصانة هيفاء [4]، إن مشت تثنّت، و إن جلست تبنت [5]، و إن تكلّمت تغنت، تقبل بأربع و تدبر بثمان، و بين فخذيها كالإناء المكفأ [6]».

قول له قبل إسلامه‌

و غيلان فيما يقال أحد من قال من قريش للنبيّ صلّى اللّه عليه و سلم و آله: لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى‌ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ‌.

اتهام ولده عمار بسرقته و ما كان بينهما من تدابر

قال ابن الكبيّ حدّثني أبي، قال تزوّج غيلان بن سلمة خالدة بنت أبي العاص،/ فولدت له عمّارا و عامرا، فهاجر عمّار إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم، فلما بلغه خبره عمد خازن كان لغيلان إلى مال له فسرقه و أخرجه من حصنه فدفنه، و أخبر غيلان أنّ ابنه عمّارا سرق ماله و هرب به، فأشاع ذلك غيلان و شكاه [7] إلى الناس، و بلغ خبره عمارا فلم يعتذر إلى أبيه، و لم يذكر له براءته مما قيل له، فلما شاع ذلك جاءت أمه لبعض ثقيف إلى غيلان، فقالت له أيّ شي‌ء لي عليك إن دللتك على مالك؟ قال ما شئت. قالت تبتاعني و تعتقني؟ قال ذلك لك. قالت فاخرج‌


[1] عمواس بالكسر و الفتح و سكون الميم أو فتحها و فتح الأوّل كورة من فلسطين بالقرب من بيت المقدس، كانت العاصمة في القديم، و منها كان ابتداء الطاعون في أيام عمر بن الخطاب، ثم فشا في أرض الشام فمات فيه خلق كثير لا يحصى من الصحابة.

[2] في «اللسان» (بنى): «و روى شمر أن مخنثا قال لعبد اللّه بن أبي أمية» ثم ساق الخبر.

[3] الشموع المزاحة اللعوب. و النجلاء الواسعة العينين.

[4] الخمصانة الضامرة البطن. و الهيفاء الدقيقة الخصر.

[5] تبنت أي صارت كالمبناة، و هي القبة من أدم، و ذلك لسمنها و كثرة لحمها.

[6] كذا في «اللسان» و ح. و في سائر النسخ: «المكفوء». و هما سيان، يقال كفأ الإناء و أكفأه قلبه. يعني بذلك ضخم ركبها و نهوده.

[7] في ط، ح: «تشكاه».

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 138

معي. فخرج معها، فقالت إني رأيت عبدك فلانا قد احتفر هاهنا ليلة كذا و كذا و دفن شيئا، و إنه لا يزال يعتاده و يراعيه، و يتفقّده في اليوم مرّات، و ما أراه إلا المال. فاحتفر الموضع فإذا هو بماله، فأخذه و ابتاع الأمة فأعتقها، و شاع الخبر في الناس حتّى بلغ ابنه عمارا، فقال و اللّه لا يراني غيلان أبدا، و لا ينظر في وجهي./ و قال:

حلفت لهم بما يقول محمّد

باللّه إنّ اللّه ليس بغافل‌

برئت من المال الّذي يدفنونه‌

أبرّئ نفسي أن ألطّ بباطل [1]

لو غير شيخي من معدّ يقوله‌

تيممته بالسيف غير مواكل‌

كيف انطلاقي بالسّلاح إلى امرئ‌

تبشّره بي يبتدرن قوابلي‌

فلما أسلم غيلان، خرج عامر و عمّار مغاضبين له مع خالد بن الوليد، فتوفي عامر بعمواس، و كان فارس ثقيف يومئذ، و هو صاحب شنوءة يوم تثليث [2]، و هو قتل سيّدهم جابر بن سنان أخا دهنة، فقال غيلان يرثي عامرا:

غيلان يرثي ولده عامرا

عيني تجود بدمعها الهتّان‌

سحّا تبكي فارس الفرسان [3]

يا عام من للخيل لمّا أجحمت‌

عن شدّة مرهوبة طعان‌

لو أستطيع جعلت منّي عامرا

بين الضّلوع كلّ حيّ فان‌

يا عين بكّي ذا الحزامة عامرا

للخيل يوم تواقف طعان‌

له بتثليثات شدّة معلم‌

منه طعنة جابر بن سنان [4]

فكأنّه صافي الحديدة مخذم‌

مما يحير الفرس للباذان [5]

ما قاله فيما حدث لجاره الباهلي‌

نسخت من كتاب أبي سعيد السّكّري، قال كان لغيلان بن سلمة جار من باهلة، و كانت له إبل يرعاها راعيه في الإبل مع إبل غيلان، فتخطّى بعضها إلى أرض لأبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتّب، فضرب أبو عقيل الراعي و استخفّ به، فشكا الباهليّ ذلك إلى غيلان، فقال لأبي عقيل:

ألا من يرى رأى امرئ ذي قرابة

أبي صدره بالضغن إلا تطلعا

فسلمك أرجو لا العداوة إنّما

أبوك أبي إنّما صفقنا معا [6]

إنّ ابن عم المرء مثل سلاحه‌

يقيه إذا لاقى الكميّ المقنّعا

فإن يكثر المولى فإنّك حاسد

إن يفتقر لا يلف عندك مطمعا

فهذا وعيد ادّخار فإن تعد

جدّك أعلم ما تسلّفت أجمعا [7]


[1] في ش، ح: «لبرئت» و لا يستقيم الوزن بهذا. و ألط ألصق.

[2] شنوءة قبيلة. تثليث موضع بالحجاز قرب مكة. و يوم تثليث من أيام العرب بين بني سليم و مراد. قال أعشى باهلة:

جاشت النفس لما جاء فلهم‌

راكب جاء من تثليث معتمر

[3] في ح: «بدمعها الشتان».

[4] المعلم الفارس جعل لنفسه علامة الشجعان في الحرب.

[5] المخذم القاطع. يحير يرد و يرجع. و البادان اسم للذين دخلوا حديثا في الإسلام، كما في «معجم استينجاس».

[6] الصفق الضرب. و هو أيضا ضرب الأيدي عند المبايعة.

[7] تسلف في المادة و الشي‌ء اقترض. و المعنى إن عدت فسأقف على ما وقع منك.

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 139

تهديده لامرأته حين ملته‌

و نسخت من كتابه، قال لما أسنّ غيلان و كثرت أسفاره ملّته زوجته، و تجنّت عليه، و أنكر أخلاقها، فقال فيها:

يا ربّ مثلك في النّساء غريرة

بيضاء قد صبّحتها بطلاق‌

لم تدر ما تحت الضّلوع غرّها

مني تحمّل عشرتي خلاقي‌

ثقيف تنتصر على بني عامر و غيلان يصف تخلف بني نصر عنهم‌

و نسخت من كتابه إنّ بني عامر بن ربيعة جمعوا جموعا كثيرة من أنفسهم و أحلافهم، ثم ساروا إلى ثقيف بالطّائف، و كانت بنو نصر بن معاوية أحلافا لثقيف، فلما بلغ ثقيفا مسير بني عامر استنجدوا بني نصر، فخرجت ثقيف إلى بني عامر و عليهم يومئذ غيلان بن سلمة بن معتّب، فلقوهم و قاتلتهم ثقيف قتالا شديدا، فانهزمت بنو عامر بن ربيعة و من كان معهم، و ظهرت عليهم ثقيف، فأكثروا فيهم القتل، فقال غيلان في ذلك، و يذكر/ تخلف بني نصر عنهم:

شعره في انتصار ثقيف على عامر

ودّع بذمّ إذا ما حان رحلتنا

أهل الحظائر من عوف دهمانا

القائلين قد حلّت بساحتهم‌

جسر تحسحس عن أولاد هصّانا [1]

القائلين قد رابت طابهم‌

أسيف عوف ترى أم سيف غيلانا [2]

أغنوا الموالي عنّا لا أبا لكم‌

إنّا سنعني صريح القوم من كانا [3]

لا يمنع الخطر المظلوم قحمته‌

حتّى يرى ... بالعين من كانا [4]

شعر غيلان في هزيمة خثعم‌

و نسخت من كتابه، قال جمعت خثعم جموعا من اليمن، و غزت ثقيفا بالطائف؛ فخرج إليهم غيلان بن سلمة في ثقيف، فقاتلهم قتالا شديدا، فهزمهم و قتل منهم مقتلة عظيمة، و أسر عدّة منهم، ثم منّ عليهم و قال في ذلك:

/ألا يا أخت خثعم خبّرينا

بأيّ بلاء قوم تفخرينا

جلبنا الخيل من أكناف وجّ‌

ليث نحوكم بالدّارعينا [5]

رأيناهنّ معلمة رواحا

يقيتان الصباح معتدينا [6]


[1] هصان قبيلة. و في الأصل: «عن أولادها الضانا».

[2] راب خثر و فسد. و الوطاب سقاء اللبن.

[3] الصريح الخالص النسب. و هذا تصحيح س. و في سائر النسخ: «سيغنى صريخ».

[4] القحمة بالقاف تفتح و تضم الاقتحام في الشي‌ء و المهلكة. و في كل الأصول بالفاء و هو تحريف. و في البيت نقص.

[5] وج اسم واد بالطائف. و ليث، بالكسر واد بأسفل السراة. و هذا تصحيح س. و في سائر النسخ: «و ليت». و الدارعون لابسو الدروع.

[6] المعلمة المميزة. يقيتان، يقال أقات الشي‌ء قدر عليه. و الصباح الغارة تفجأ صباحا. و هذا تصحيح ش. و في سائر النسخ:

«يقينان».

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 140

فأمست مسي خامسة جميعا

تضابع في القياد قد وجينا [1]

قد نظرت طوالعكم إلينا

بأعينهم حققنا الظنونا

إلى رجراجة في الدار تعشى‌

إذا استنّت عيون الناظرينا [2]

تركن نساءكم في الدار نوحا

يبكّون البعولة البنينا [3]

جمعتم جمعكم فطلبتمونا

فهل أنبئت حال الطّالبينا

كيسان ينشد عبد اللّه الثقفي شعر غيلان‌

أخبرنا محمّد بن خلف وكيع، قال أخبرني محمّد بن سعد الشامي، قال حدّثني أبو عبد الرحمن عبد اللّه بن عمرو الثقفي، قال خرجت مع كيسان بن أبي سليمان أسايره، فأنشدني شعر غيلان بن سلمة، ما أنشدني لغيره، حتّى صدرنا عن الأبلّة، ثم مرّ بالطّف و هو يريد الطّابق [4]، فأنشدني له:

/ ليلة أرّقت صحابك بالطّ

فّ أخرى بجنب ذي حسم [5]

فالجسر فالقصران فالنّهر المرب

دّ بين النّخيل الأجم [6]

معانق الواسط المقدّم أو

أدنو من الأرض غير مقتحم [7]

أستعمل العنس بالقياد إلى ال

آفاق أرجو نوافل الطّعم [8]

وصية غيلان بن سلمة لبنيه‌

أخبرني عمّي قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد، قال حدّثني أحمد بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال:

حدّثني عمر بن عبد العزيز بن أبي ثابت عن أبيه، قال:

لما حضرت غيلان بن سلمة الوفاة، و كان قد أحصن عشرا من نساء العرب في الجاهلية، قال: «يا بنيّ، قد أحسنت خدمة أموالكم، و أمجدت أمّهاتكم فلن تزالوا بخير ما غذوتم من كريم و غذا منكم، فعليكم ببيوتات العرب، فإنها معارج الكرم، و عليكم بكلّ رمكاء [9] مكينة ركينة، أو بيضاء رزينة، في خدر [10] بيت يتبع، أو جدّ


[1] مسى خامسة في مساء الليلة الخامسة. تضابع تمد أضباعها في الجري. و القياد المقود، ما تقاد به الدابة. وجين حفين و وجعن.

[2] الرجراجة الكتيبة العظيمة. تعشى من العشا، و هو سوء البصر. و هذا تصحيح س، و في سائر النسخ: «تغشى». و استنت أسرعت.

و في الأصول: «استلمت».

[3] النوح جمع نائحة. في س، ش، ح: «يبكون». كما أثبتنا. و في «مهذب الأغاني: «يبكون».

[4] الطابق نهر ببغداد. و في الأصول: «الطائف».

[5] الطف مكان بالعراق قتل به الحسين. ذو حسم موضع. و في الأصول: «و أجرى بذي جسم».

[6] الجسر الموضع الّذي كانت فيه الوقعة بين المسلمين و الفرس قرب الحيرة. و القصران بالصاد ناحيتان كبيرتان بالري. و في كل الأصول: «القطران» بالطاء.

[7] الواسط المقدم و أول الشي‌ء. و يقصد به قادمة الرحل.

[8] العنس الناقة الصلبة. و الآفاق وردت في كل الأصول: «الآفات» بالفاء بدل القاف، تحريف.

[9] الرمكاء ما كان في لونها حمرة مختلطة السواد.

[10] ح: «في حديث».

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 141

يرتجى، و إيّاكم و القصيرة الرّطلة [1]، فإنّ أبغض الرجال إليّ أن يقاتل/ عن إبلي أو يناضل عن حسبي، القصير الرّطل». ثم أنشأ يقول:

حرّة قوم قد تنوّق فعلها

زيّنها أقوامها فتزيّنت‌

رحلت إليها لا تردّ وسيلتي‌

حمّلتها من قومها فتحمّلت‌

وفود غيلان على كسرى‌

أخبرني عمي قال حدّثنا محمّد بن سعد الكراني، قال:

كان غيلان بن سلمة الثّقفيّ قد وفد إلى كسرى فقال له ذات يوم يا غيلان، أيّ ولدك أحبّ إليك؟ قال:

«الصغير حتى يكبر، و المريض حتّى يبرأ، و الغائب حتى يقسم». قال له ما غذاؤك؟ قال خبز البر. قال قد عجبت من أن يكون لك هذا العقل و غذاؤك غذاء العرب، إنّما البرّ جعل لك هذا العقل.

رواية أخرى في هذا الخبر

قال الكراني، قال العمري روى الهيثم بن عدي هذا الخبر أتمّ من هذه الرواية، و لم أسمعه منه. قال الهيثم حدّثني أبي، قال:

خرج أبو سفيان بن حرب في جماعة من قريش و ثقيف يريدون [2] العراق بتجارة، فلما ساروا ثلاثا جمعهم أبو سفيان، فقال لهم إنّا من مسيرنا هذا لعلى خطر، ما قدومنا على ملك جبّار لم يأذن لنا في القدوم عليه، و ليست بلاده لنا بمتجر؟! و لكن أيّكم يذهب بالعير، فإن أصيب فنحن برآء من دمه، و إن غنم فله نصف الرّبح؟ فقال غيلان بن سلمة دعوني إذا فأنا لها. فدخل الوادي، فجعل يطوفه و يضرب فروع الشجر و يقول:

لو رآني أبو غيلان إذ حسرت‌

عني الأمور إلى أمر له طبق [3]

لقال رغب رهب يجمعان معا

حبّ الحياة هول النّفس الشفق [4]

إمّا بقيت على مجد مكرمة

أو أسوة لك فيمن يهلك الورق [5]

ما دار بين غيلان و بين كسرى‌

ثم قال أنا صاحبكم. ثم خرج في العير، و كان أبيض طويلا جعدا ضخما، فلما قدم بلاد كسرى، تخلّق [6] و لبس ثوبين أصفرين، و شهر أمره، و جلس بباب كسرى حتّى أذن له، فدخل عليه و بينهما شبّاك من ذهب، فخرج إليه التّرجمان؛ و قال له يقول لك الملك من أدخلك بلادي بغير إذني؟ فقال قل له لست من أهل عداوة لك، و لا أتيتك جاسوسا لضدّ من أضدادك، و إنما جئت بتجارة تستمتع بها، فإن أردتها فهي لك، و إن لم تردها و أذنت في بيعها لرعيّتك بعتها، و إن لم تأذن في ذلك رددتها. قال فإنّه ليتكلّم إذ سمع صوت كسرى فسجد، فقال له الترجمان يقول لك الملك لم سجدت؟ فقال سمعت صوتا عاليا حيث لا ينبغي لأحد أن يعلو صوته إجلالا


[1] الرطلة بفتح الراء و كسرها المرأة الحمقاء الضعيفة. هذا. و الوصية نسبت في «البيان و التبيين» (2: 67) طبع لحنة التأليف، إلى عثمان بن أبي العاصي.

[2] ح: «يريد».

[3] حسر انكشف. الطبق الحال و الخطر، و الّذي له ما بعده.

[4] الرغب الرغبة. و في الأصول: «رعب».

[5] الورق الفضة.

[6] تخلق تطيب بالخلوق.

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 142

للملك، فعلمت أنه لم يقدم على رفع الصّوت هناك غير الملك فسجدت إعظاما له. قال فاستحسن كسرى ما فعل، و أمر له بمرفقة توضع تحته [1]، فلما أتي بها رأى عليها صورة الملك، فوضعها على رأسه، فاستجهله كسرى و استحمقه، و قال للترجمان قل له إنّما بعثنا إليك بهذه لتجلس عليها. قال قد علمت، و لكنّي لما أتيت بها رأيت عليها صورة الملك، فلم يكن حقّ صورته على مثلي أن يجلس عليها، و لكن كان حقّها التعظيم، فوضعتها على رأسي، لأنّه أشرف أعضائي و أكرمها عليّ. فاستحسن فعله جدّا، ثم قال له أ لك ولد؟ قال نعم. قال فأيّهم أحبّ إليك؟ قال الصّغير حتى يكبر، و المريض حتّى يبرأ، و الغائب حتى يئوب. فقال كسرى زه، ما أدخلك عليّ و دلّك على هذا القول و الفعل إلا/ حظّك، فهذا فعل الحكماء و كلامهم، و أنت من قوم جفاة لا حكمة فيهم، فما غذاؤك؟ قال خبز البرّ. قال هذا العقل من البرّ، لا من اللبن و التمر. ثم اشترى منه التجارة بأضعاف ثمنها، و كساه و بعث معه من الفرس من بنى له أطما [2] بالطّائف، فكان أوّل أطم بني بها.

رثاؤه لأخيه نافع و قد قتل بدومة الجندل‌

/ أخبرني محمّد بن مزيد بن أبي الأزهر، قال حدّثنا الزبير بن بكّار، قال حدّثني عمر بن أبي بكر الموصليّ عن عبد اللّه بن مصعب عن أبيه قال:

استشهد نافع بن سلمة الثّقفي مع خالد بن الوليد بدومة الجندل، فجزع عليه غيلان و كثر بكاؤه، و قال يرثيه:

ما بال عيني لا تغمّص ساعة

إلا اعترتني عبرة تغشاني‌

أرعى نجوم الليل عند طلوعها

وهنا هنّ من الغروب دوان [3]

يا نافعا من للفوارس أحجمت‌

عن فارس يعلو ذرى الأقران‌

فلو استطعت جعلت منّي نافعا

بين اللّهاة بين عكد لساني [4]

قال و كثر بكاؤه عليه، فعوتب في ذلك، فقال و اللّه لا تسمح عيني بمائها فأصنّ به على نافع. فلمّا تطاول العهد انقطع ذلك من قوله، فقيل له فيه، فقال: «بلي نافع، و بلي الجرع، و فني و فنيت الدموع، و اللّحاق به قريب».

صوت‌

ألا علّلاني قبل نوح الوادب‌

قبل بكاء المعولات القرائب‌

قبل ثوائي في تراب جندل‌

قبل نشوز النفس فوق الترائب [5]

فإن تأتني الدّنيا بيومي فجاءة

تجدني قد قضّيت منها مآربي‌

الشعر لحاجز الأزديّ، و الغناء لنبيه هزج، بالبنصر، عن الهشامي.


[1] المرفقة المتكأ و المخدة.

[2] الأطم بضمتين القصر و كل حصن مبني بحجارة، و كل بيت مربع مسطح.

[3] الوهن نحو منتصف الليل أو بعده بساعة.

[4] اللهاة قطعة من اللحم مشرفة على الحلق. و العكد وسط الشي‌ء.

[5] نشوز النفس ارتفاعها، كناية عن الاحتضار. و في الأصول: «نشور» بالراء المهملة، تحريف.

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 143

16- أخبار حاجز و نسبه‌

أخبار حاجز و نسبه‌

هو حاجز بن عوف بن الحارث بن الأخثم بن عبد اللّه بن ذهل بن مالك بن سلامان بن مفرّج بن مالك بن زهران بن عوف بن ميدعان بن مالك بن نصر بن الأزد. و هو حليف لبني مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي، و في ذلك يقول:

قومي سلامان إما كنت سائلة

في قريش كريم الحلف الحسب‌

إنّي متى أدع مخزوما تري عنقا

لا يرعشون لضرب القوم من كثب [1]

يدعى المغيرة في أولى عديدهم‌

أولاد مرأسة ليسوا من الذنب [2]

و هو شاعر جاهليّ مقلّ، ليس من مشهوري الشعراء، و هو أحد الصعاليك المغيرين على قبائل العرب، و ممن كان يعدو على رجليه عدوا يستبق به الخيل.

أخبرني محمّد بن الحسن بن دريد، قال حدّثني العباس بن هشام، عن أبيه، عن عوف بن الحارث الأزدي، أنه قال لابنه حاجز بن عوف أخبرني يا بنيّ بأشدّ عدوك. قال نعم، أفزعتني خثعم فنزوت نزوات، ثم استفزّتني الخيل و اصطفّ لي ظبيان، فجعلت أنهنههما [3] بيديّ عن الطّريق، و منعاني/ أن أتجاوزها في العدو لضيق الطريق حتى اتسع و اتسعت بنا، فسبقتهما. فقال له فهل جاراك أحد في العدو؟ قال ما رأيت أحدا جاراني إلّا أطيلس أغيبر من النّقوم [4]، فإنا عدونا معا فلم أقدر على سبقه.

- قال النّقوم [4] بطن من الأزد من ولد ناقم، و اسمه عامر بن حوالة بن الهنو بن الأزد-

نسخت أخبار حاجز من رواية أبي عمرو الشيباني‌

من كتاب بخط المرهبيّ الكوكبيّ، قال أغار عوف بن الحارث بن الأخثم على بني هلال بن عامر بن صعصعة في يوم داج مظلم، فقال لأصحابه انزلوا حتى أعتبر لكم. فانطلق حتى أتى صرما من بني هلال [5]، و قد عصب على يد فرسه عصابا ليظلع [6] فيطمعوا فيه، فلما أشرف عليهم استرابوا به، فركبوا في طلبه، و انهزم من بين أيديهم، و طمعوا فيه، فهجم بهم على أصحابه بني سلامان، فأصيب يومئذ بنو هلال، و ملأ القوم أيديهم من الغنائم [7]، ففي ذلك يقول حاجز بن عوف:


[1] العنق الجماعة الكثيرة من الناس.

[2] مرأسة رئاسة.

[3] النهنهة الرد و الكف.

[4] في الأصل: «البقوم».

[5] الصرم، بالكسر الجماعة.

[6] الظلع غمز في المشي شبيه بالعرج.

[7] من الغنائم، ساقطة من ح.

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 144

صباحك اسلمى عنا أماما

تحيّة وامق عمي ظلاما

برهرهة يحار الطرف فيها

كحقّة تاجر شدّت ختاما [1]

فإن تمس ابنة السهميّ منّا

بعيدا لا تكلّمنا كلاما

فإنّك لا محالة أن تريني‌

لو أمست حبالكم رماما

بناجية القوائم عيسجور

تدارك نيّها عاما فعاما [2]

سلي عنّي إذا اغبّرت جمادي‌

كان طعام ضيفهم الثماما [3]

ألسنا عصمة الأضياف حتى‌

يضحّى مالهم نفلا تواما [4]

/ أبى ربع الفوارس يوم داج‌

عمّي مالك وضع السّهاما [5]

فلو صاحبتنا لرضيت منا

إذا لم تغبق المائة الغلاما [6]

يعني بقوله وضع السهام، أن الحارث بن عبد اللّه بن بكر بن يشكر بن مبشر بن صقعب بن دهمان بن نصر بن زهران، كان يأخذ من جميع الأزد إذا غنموا الربع، لأنّ الرئاسة في الأزد كانت لقومه، و كان يقال لهم: «الغطاريف» و هم أسكنوا الأسد بلد السراة، و كانوا يأخذون للمقتول منهم ديتين و يعطون غيرهم دية واحدة إذا وجبت عليهم، فغزتهم بنو فقيم بن عديّ بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، فظفرت بهم، فاستغاثوا ببني سلامان فأغاثوهم، حتّى هزموا بني فقيم و أخذوا منهم الغنائم و سلبوهم، فأراد الحارث أن يأخذ الرّبع كما كان يفعل، فمنعه مالك بن ذهل بن مالك بن سلامان، و هو عمّ أبي حاجز، و قال: «هيهات، ترك الرّبع غدوة» [7] فأرسلها مثلا، فقال له الحارث أ تراك يا مالك تقدر أن تسود؟ فقال هيهات، الأزد أمنع من ذاك. فقال أعطني و لو جعباو الجعب:

البعر في لغتهم؛ لئلا تسمع العرب أنك منعتني. فقال مالك: «فمن سماعها أفرّ» [8]، و منعه الربيع، فقال حاجز في ذلك:

ألا زعمت أبناء يشكر أننا

بربعهم باءوا هنالك ناضل [9]

/ ستمنعنا منكم من سوء صنعكم‌

صفائح بيض أخلصتها الصياقل‌

أسمر خطّيّ إذا هزّ عاسل‌

بأيدي كماة جرّبتها القبائل [10]

/ و قال أبو عمرو جمع حاجز ناسا من فهم و عدران، فدلّهم على خثعم، فأصابوا منهم غرّة و غنموا ما شاءوا، فبلغ حاجرا أنهم يتوعدونه و يرصدونه، فقال:


[1] برهرهة بضه غضة. و الحقة بضم القاف وعاء من خشب أو من عاج.

[2] الناجية السريعة، و لا يوصف بها البعير. و العيسجور الناقة الصلبة السريعة. تدارك تلاحق. و الني بكسر النون و فتحها الشحم.

[3] اغبرت جمادي قل الخير و ذلك في الشتاء. و التمام نبت ضعيف.

[4] ضحى إبله رعاها وقت الضحى. و في الأصول: «يفحى». و النفل الهبة و العطية. و التوام تسهيل تؤام، و هو المزدوج.

[5] ربعهم أخذ منهم المرباع، و هو ربع الغنيمة. و في الأصول: «عبر».

[6] تغبق تسقي الغبوق، و هو الشرب بالعشي.

[7] ترك الربع غدوة مثل «الصيف ضيعت اللبن».

[8] في ح: «أقر» بالقاف.

[9] باءوا فخروا. الفاضل الغالب.

[10] العاسل الرمح المهتز.

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 145

إنّي من إرعادكم بروقكم‌

إيعادكم بالقتل صمّ مسامعي [1]

إني دليل غير مخف دلالتي‌

على ألف بيت جدّهم غير خاشع‌

ترى البيض يركضن المجاسد بالضّحى‌

كذا كلّ مشبوح الذراعين نازع [2]

على أيّ شي‌ء لا أبا لأبيكم‌

تشيرون نحوي نحوكم بالأصابع‌

عمرو بن معد يكرب يطعن حاجزا

و قال أبو عمرو أغارت خثعم على بني سلامان و فيهم عمرو بن معديكرب، و قد استنجدت به خثعم على بني سلامان، فالتقوا و اقتتلوا، فطعن عمرو بن معديكرب حاجزا فأنفذ فخذه، فصاح حاجز يا آل الأزد! فندم عمرو و قال خرجت غازيا و فجعت أهلي. و انصرف، فقال عزيل الخثعمي يذكر طعنة عمرو حاجزا، فقال:

أعجز حاجز منّا فيه‌

مشلشلة كحاشية الإزار [3]

فعز عليّ ما أعجزت منّي‌

قد أقسمت لا يضربك ضار [4]

فأجابه حاجز فقال:

إن تذكروا يوم القريّ فإنه‌

بواء بأيام كثير عديدها [5]

/ فنحن أبحنا بالشخيصة واهنا

جهارا فجئنا بالنساء نقودها [6]

يوم كراء قد تدارك ركضنا

بني مالك الخيل صعر خدودها [7]

يوم الأراكات اللواتي تأخّرت‌

سراة بني لهبان يدعو شريدها [8]

نحن صبحنا الحيّ يوم تنومة

بملمومة يهوى الشجاع وئيدها [9]

يوم شروم قد تركنا عصابة

لدى جانب الطرفاء حمرا جلودها [10]

فما رغمت حلفا لأمر يصيبها

من الذل إلا نحن رغما نزيدها

خثعم تحيط بحاجز و عجوز تسحر سلاحه ثم ينجو

و قال أبو عمرو بينما حاجز في بعض غزواته إذ أحاطت به خثعم، و كان معه بشير ابن أخيه، فقال [11] له يا بشير، ما تشير؟ قال دعهم حتى يشربوا و يقفلوا [12] و يمضوا و نمضي معهم فيظنّونا بعضهم. ففعلا، و كانت في ساق‌


[1] الإيعاد التهديد.

[2] المجاسد الثياب المعصفرة بالزعفران.

[3] المشلشلة الضربة الّتي تفيض دما.

[4] في الأصول: «ما أعجزت دمنى».

[5] القري واد. البواء الكف‌ء، و النظير.

[6] الشخيصة اسم مكان.

[7] كراء ثنية بالطائف.

[8] الأراكات أودية قرب مكة.

[9] الملمومة الكتيبة المجتمعة. و في الأصول: «و بيدها».

[10] شروم قرية كبيرة باليمن بها عيون و كروم. و الطرفاء نخل لبني عامر بن حنيفة باليمامة.

[11] في ح: «فقال» فقط.

[12] يقفلوا في ح: «ينقلوا» و هو تحريف.

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 146

حاجز شامة، فنظرت إليها امرأة من خثعم، فصاحت يا آل خثعم، هذا حاجز. فطاروا يتبعونه، فقالت لهم عجوز كانت ساحرة أكفيكم سلاحه أو عدوه. فقالوا لا نريد أن تكفينا عدوه فإن معنا عوفا و هو يعدو مثله، و لكن اكفينا سلاحه. فسحرت لهم سلاحه و تبعه عوف بن الأغر [1] بن همام بن الأسرّ بن عبد الحارث بن واهب بن مالك بن صعب بن غنم بن الفزع الخثعمي، حتى قاربه، فصاحت به خثعم يا عوف ارم حاجزا، فلم يقدم عليه، و جبن، فغضبوا و صاحوا يا حاجز، لك الذمام، فاقتل عوفا فإنه قد فضحنا. فنزع في قوسه ليرميه، فانقطع وتره، لأنّ المرأة الخثعمية كانت قد سحرت سلاحه، فأخذ قوس بشير ابن أخيه فنزع فيها فانكسرت،/ و هربا من القوم ففاتاهم و وجد حاجز بعيرا في طريقه فركبه فلم يسر في الطريق الّذي يريده و نحا به نحو خثعم؛ فنزل حاجز/ عنه، فمرّ فنجا و قال في ذلك:

فدى لكما رجليّ أمي خالتي‌

بسعيكما بين الصفا الأثائب [2]

أوان سمعت القوم خلفي كأنّهم‌

حريق أباء في الرّياح الثواقب‌

سيوفهم تغشى الجبان نبلهم‌

يضي‌ء لدى الأقوام نار الحباحب [3]

فغير قتالي في المضيق أغاثني‌

لكن صريح العدو غير الأكاذب‌

نجوت نجاء لا أبيك تبثه‌

ينجو بشير نجو أزعر خاضب [4]

وجدت بعيرا هاملا فركبته‌

فكادت تكون شرّ ركبة راكب [5]

حاجز يغير على بني هلال‌

و قال أبو عمرو اجتاز قوم حجّاج من الأزد ببني هلال بن عامر بن صعصعة، فعرفهم ضمرة بن ماعز سيد بني هلال، فقتلهم هو و قومه، و بلغ ذلك حاجزا، فجمع جمعا من قومه و أغار على بني هلال فقتل فيهم و سبى منهم، و قال في ذلك يخاطب ضمرة بن ماعز:

يا ضمر هل نلناكم بدمائنا

أم هل حذونا نعلكم بمثال [6]

نبكي لقتلى من فقيم قتّلوا

فاليوم تبكي صادقا لهلال‌

/ لقد شفاني أن رأيت نساءكم‌

يبكين مردفة على الأكفال [7]

يا ضمر إن الحرب أضحت بيننا

لقحت على الدكّاء بعد حيال [8]


[1] في ح: «ابن الأعسر».

[2] الأثائب جمع أثأب، و هو شجر ينبت في بطون الأودية.

[3] الحباحب ذباب يطير بالليل له شعاع في ذنبه كالسراج، و ربما جعلوا الحباحب اسما لما يرى في ذنبه كأنه نار. و قيل هو اسم رجل بخيل كان لا يوقد نارا إلا نارا ضعيفة مخافة الضيفان، فضربوا بها المثل حتى قيل «نار الحباحب» لما تقدحه الخيل بحوافرها من حيث لا ينتفع به.

[4] لا أبيك لعله أراد لا و أبيك. و يقال نجا ينجو نجوا خلص. و في الأصول: «نحو»، تحريف. و الأزعر القليل الشعر.

و الخاضب الظليم إذا أكل الربيع فاحمرت ساقاه و قوادمه، و هو الذكر من النعام.

[5] الهامل المتروك سدى ليلا و نهارا.

[6] في الأصول: «نفلكم بمثال».

[7] المردفة الّتي أركبت خلف الراكب. و الأكفال جمع كفل العجز.

[8] الدكاء رابية من طين. و الحيال العقم.

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 147

أخت حاجز ترثيه حين انقطعت أخباره‌

قال أبو عمرو خرج حاجز في بعض أسفاره فلم يعد، و لا عرف له خبر، فكانوا يرون أنه مات عطشا أو ضلّ، فقالت أخته ترثيه:

حيّ حاجز أم ليس حيّا

فيسلك بين جندف البهيم [1]

يشرب شربة من ماء ترج‌

فيصدر مشية السبع الكليم [2]

ما قيل من الشعر في فرار حاجز

أخبرني هاشم بن محمّد، قال حدّثنا دماذ عن أبي عبيدة، قال:

كان حاجز الأزدي مع غاراته كثير الفرار، لقي عامرا فهرب منهم فنجا، و قال:

ألا هل أتى ذات القلائد فرّتي‌

عشية بين الجرف البحر من بعر [3]

عشية كادت عامر يقتلونني‌

لدى طرف السلماء راغية البكر [4]

فما الظبي أخطت خلفة الصقر رجله‌

قد كاد يلقى الموت في خلفة الصقر [5]

بمثلي غداة القوم بين مقنّع‌

آخر كالسكران مرتكز يفري [6]

/ و فرّ من خثعم و تبعه المرقع الخثعميّ ثم الأكلبيّ، ففاته حاجز، و قال في ذلك:

كأنما تبع الفوارس أرنبا

أو ظبي رابية خفافا أشعبا [7]

كأنّما طردوا بذي نمراته‌

صدعا من الأروى أحسّ مكلبا [8]

أعجزت منهم الأكفّ تنالني‌

مضت حياضهم آبوا خيّبا

أدعو شنوءة غثّها سمينها

دعا المرقّع يوم ذلك أكلبا [9]

و قال يخاطب [10] عوض أمسى:

أبلغ أميمة عوض أمسّى بزّنا

سلبا ما إن سرّها ننكبا [11]

/ لو لا تقارب رأفة عيونها

حمشا مصعدا مصوّبا [12]


[1] «جندف» بالجيم المفتوحة مع الدال تصحيح الشنقيطي جبل باليمن. و في بعض النسخ «خندف». و البهيم جبل أيضا.

[2] ترج و بيشة قريتان متقابلتان بين مكة و اليمن.

[3] فرتي فراري، و الجرف بضم الجيم موضع باليمن. و البعر مكان بين مكة و اليمامة، ماء لبني ربيعة بن عبد اللّه بن كلاب.

[4] راغية البكر صوته. و البكر الفتى من الإبل، يراد به بكر ناقة صالح، و هو مثل في الشؤم.

[5] أخطت أخطأت. و خلفه الصقر اختلافه مرة بعد مرة. و في الأصول: «خلفه الصقر» ثم «حلقة الصقر».

[6] يفري يبالغ في النكاية و القتل.

[7] الرابية و الرباة كل ما ارتفع عن الأرض. و الظبي الأشعب البعيد ما بين القرنين.

[8] الصدع بالعين المهملة تصحيح الشنقيطي الفتى الشاب القوي من الأوعال و قيل هو الوسط منها. قال الأزهري هو الوعل بين الوعلين. و في الأصل: «صدغا». و الأروى أنثى الوعل، أو هو تيس الجبل.

[9] شنوءة بالشين قبيلة، و كذلك أكلب.

[10] و قال يخاطب، زيادة عن بعض الأصول.

[11] في الأصول: «سلبا ما إن سرها أن تسكبا».

[12] كذا ورد البيت محرفا منقوصا.

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 148

صوت‌

يا دار من ماويّ بالسّهب‌

بنيت على خطب من الخطب [1]

إذ لا ترى إلا مقاتلة

عجانسا يرقلن بالرّكب [2]

/ مدجّجا يسعى بشكّته‌

محمرّة عيناه كالكلب [3]

معاشرا صدأ الحديد بهم‌

عبق الهناء مخاطم الجرب [4]

الشعر للحارث بن الطفيل الدّوسي، و الغناء لمعبد، رمل بالبنصر، من رواية يحيى المكي، و فيه لابن سريج خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق، و اللّه أعلم.


[1] السهب اسم موضع.

[2] العجانس جمع عجنس الشديد الضخم من الإبل.

[3] الشكة السلاح.

[4] الهناء يقال هنا الإبل يهنؤها مثلثة النون طلاها بالهناء، ككتاب و هو القطران. عبق الهناء، أن يحكى عبق الهناء. و العبق مصدر عبق به، أي لصق. و المخاطم جمع مخطم كمجلس و منبر مقدم أنفها و فمها.

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 149

17- أخبار الحارث بن الطفيل و نسبه‌

هو الحارث بن الطفيل بن عمرو بن عبد اللّه بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس بن عبد اللّه بن عدثان بن عبيد اللّه بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد اللّه بن مالك بن نصر بن الأزد، شاعر فارس، من مخضرمي شعراء الجاهلية و الإسلام، و أبوه الطفيل بن عمرو شاعر أيضا، و هو أوّل من وفد من دوس على النبي صلّى اللّه عليه و سلم، فأسلم و عاد إلى قومه، فدعاهم إلى الإسلام.

وفود الطفيل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم‌

أخبرني عمي قال حدّثنا الحزنبل بن عمرو بن أبي عمرو عن أبيه، و اللفظ في الخبر له، و اللّه أعلم.

و أخبرني به محمّد بن الحسن بن دريد قال حدّثني عمي عن العباس بن هشام عن أبيه:

إنّ الطفيل بن عمرو بن عبد اللّه بن مالك الدوسيّ خرج حتى أتى مكة حاجّا، و قد بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و هاجر إلى المدينة، و كان رجلا يعصوو العاصي البصير بالجراح، و لذلك يقال لولده بنو العاصيفأرسلته قريش إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم و قالوا انظر لنا ما هذا الرجل، و ما عنده؟ فأتى النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم فعرض عليه الإسلام، فقال له إنّي رجل شاعر، فاسمع ما أقول. فقال له النبي صلّى اللّه عليه و سلم هات. فقال:

لا إله الناس نألم حربهم‌

لو حاربتنا منهب بنو فهم‌

لمّا يكن يوم تزول نجومه‌

تطير به الرّكبان ذو نبأ ضخم [1]

/ أسلما على خسف لست بخالد

ما لي من واق إذا جاءني حتمي‌

فلا سلم حتّى تحفز الناس خيفة

يصبح طير كانسات على لحم [2]

فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و أنا أقول فاستمع، ثم قال أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ. ثم قرأ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ‌، و دعاه إلى الإسلام فأسلم، و عاد إلى قومه، فأتاهم في ليلة مطيرة ظلماء، حتى نزل بروق، و هي قرية عظيمة لدوس فيها منبر، فلم يبصر أين يسلك، فأضاء له نور في طرف سوطه، فبهر الناس ذلك النور، و قالوا نار أحدثت على القدوم ثم على بروق/ لا تطفأ. فعلقوا يأخذون بسوطه فيخرج النور من بين أصابعهم، فدعا أبويه إلى الإسلام فأسلم أبوه و لم تسلم أمّة، و دعا قومه فلم يجبه إلا أبو هريرة، و كان هو و أهله في جبل يقال له ذو رمع [3]، فلقيه بطريق يزحزح، و بلغنا أنه كان يزحف في العقبة من الظلمة و يقول:

يا طولها من ليلة عناءها

على أنها من بلدة الكفر نجّت‌


[1] ح: «تطير نجومه».

[2] كانسات مقيمات.

[3] في س، ش: «ذو رمعا». و في ح: «ذو منعا»، صوابه ما أثبتنا. قال ياقوت: «موضع باليمن».

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 150

النبي يدعو لدوس بالهداية

ثم أتى الطفيل بن عمرو النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم و معه أبو هريرة، فقال له ما وراءك؟ فقال بلاد حصينة و كفر شديد.

فتوضأ النبي صلّى اللّه عليه و سلم ثم قال: «اللهم اهد دوسا» ثلاث مرات. قال أبو هريرة فلما صلّى النبي صلّى اللّه عليه و سلم خفت أن يدعو على قومي فيهلكوا، فصحت وا قوماه! فلما دعا لهم سرّي عني، و لم يحب الطفيل أن يدعو لهم لخلافهم عليه، فقال له لم أحبّ هذا منك يا رسول اللّه. فقال له إن فيهم مثلك كثيرا. و كان جندب بن عمرو بن حممة/ بن عوف بن غويّة بن سعد بن الحارث بن ذبيان بن عوف بن منهب بن دوس يقول في الجاهلية إن للخلق خالقا لا أعلم ما هو.

فخرج حينئذ في خمسة و سبعين رجلا حتى أتى النبي صلّى اللّه عليه و سلم. فأسلم و أسلموا. قال أبو هريرة ما زلت ألوي الآجرة [1] بيدي، ثم لويت على وسطي حتى كأنّي بجاد [2] أسود، و كان جندب يقرّبهم إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم رجلا رجلا، فيسلمون.

سبب أبيات الغناء

و هذه الأبيات الّتي فيها الغناء من قصيدة للحارث بن الطفيل، قالها في حرب كانت بين دوس و بين بني الحارث بن عبد اللّه بن عامر بن الحرث بن يشكر بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نصر بن زهران.

و كان سبب ذلك فيما ذكر عن أبي عمرو الشيباني أن ضماد بن مسرّح بن النعمان بن الجبّار بن سعد بن الحارث بن عبد اللّه بن عامر بن الحارث بن يشكر، سيد آل الحارث، كان يقول لقومه أحذركم جرائر أحمقين من آل الحارث يبطلان رئاستكم. و كان ضماد يتعيف [3]، و كان آل الحارث يسودون العشيرة كلّها، فكانت دوس أتباعا لهم، و كان القتيل من آل الحارث تؤخذ له ديتان، و يعطون إذا لزمهم عقل قتيل من دوس دية واحدة، فقال غلامان من بني الحارث يوما ائتوا شيخ بني دوس و زعيمهم الّذي ينتهون إلى أمره فلنقتله [4]. فأتياه، فقالا يا عم، إن لنا أمرا نريد أن تحكم بيننا فيه. فأخرجاه من منزله، فلما تنحيا به قال له أحدهما يا عم، إن رجلي قد دخلت فيها شوكة، فأخرجها لي. فنكس الشيخ رأسه لينتزعها و ضربه الآخر فقتله، فعمدت دوس إلى سيّد بني الحارث، و كان نازلا بقنونى [5] فأقاموا له في غيضة في الوادي، و سرحت إبله فأخذوا/ منها ناقة فأدخلوها الغيضة و عقلوها، فجعلت الناقة ترغو و تحنّ إلى الإبل، فنزل الشيخ إلى الغيضة ليعرف شأن الناقة، فوثبوا عليه فقتلوه، ثم أتوا أهله، و عرفت بنو الحارث الخبر، فجمعوا لدوس و غزوهم فنذروا [6] بهم فقاتلوهم فتناصفوا، و ظفرت بنو الحارث بغلمة من دوس فقتلوهم، ثم إنّ دوسا اجتمع منهم تسعة و سبعون رجلا، فقالوا من يكلّمنا، من يمانينا [7] حتّى نغزو أهل ضماد؟ فكان ضماد قد أتى عكاظ، فأرادوا أن يخالفوه/ إلى أهله، فمرّوا برجل من دوس و هو يتغنى:

فإنّ السلم زائدة نواها

إنّ نوى المحارب لا تروب [8]

فقالوا هذا لا يتبعكم، و لا ينفعكم أن تبعكم، أ ما تسمعون غناءه في السّلم. فأتوا حممة بن عمرو، فقالوا أرسل إلينا بعض ولدك. فقال و أنا إن شئتم. و هو عاصب حاجبيه من الكبر، فأخرج معهم ولده جميعا، و خرج معهم،


[1] الآجرة واحدة الآجر، الطين المحروق.

[2] البجاد كساء مخطط من أكسية الأعراب يشتملون به. و في الأصل: «كان بجاد».

[3] يتعيف يتكهن.

[4] فلنقتله في س، ش أما في ح فبالياء بدل النون و هو تحريف.

[5] قنوني من أودية السراة يصب إلى البحر في أوائل أرض اليمن من جهة مكة.

[6] يقال نذر بالعدوّ بكسر. الذال نذرا علمه فحذره.

[7] ماناه لزمه، و انتظره، و داراه. في الأصول: «يمانين».

[8] تروب تفتر. و في ح «ترود».

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 151

و قال لهم تفرّقوا فرقتين، فإذا عرف بعضكم وجوه بعض فأغيروا، و إياكم و الغارة حتّى تتفارقوا لا يقتل بعضكم بعضا. ففعلوا، فلم يلتفتوا حتّى قتلوا ذلك الحيّ من آل الحارث، و قتلوا ابنا لضماد، فلما قدم قطع أذني ناقته و ذنبها، و صرخ في آل الحارث، فلم يزل يجمعهم سبع سنين و دوس تجتمع بازائه، و هم مع ذلك يتغاورون [1] و يتطرّف بعضهم بعضا [2]، و كان ضماد قد قال لابن أخ له يكنى أبا سفيان لما أراد أن يأتي عكاظ إن كنت تحرز [3] أهلي، و إلّا أقمت عليهم. فقال له أنا أحرزهم من مائة؛ فإن زادوا فلا. و كانت تحت ضماد امرأة من دوس، و هي أخت مربان [4] بن سعد الدوسيّ الشاعر، فلما أغارت دوس على بني الحارث قصدها/ أخوها، فلاذت به، و ضمّت فخذها على ابنها من ضماد، و قالت يا أخي اصرف عنّي القوم، فإنّي حائض لا يكشفوني. فنكز سية القوس في درعها، و قال لست بحائض، و لكن في درعك سخلة بكذا من آل الحارث، ثم أخرج الصبيّ فقتله، و قال في ذلك:

ألا هل أتى أمّ الحصين لو نأت‌

خلافتنا في أهله ابن مسرّح‌

نضرة تدعو بالفناء طلقها

ترائبه ينفحن من كلّ منفح [5]

فرّ أبو سفيان لما بدا لنا

فرار جبان لأمّه الذلّ مقرح [6]

يوم حضرة الوادي‌

قال فلم يزالوا يتغاورون حتّى كان يوم حضرة الوادي، فتحاشد الحيّان، ثم أتتهم بنو الحارث و نزلوا لقتالهم، و وقف ضماد بن مسرّح في رأس الجبل، و أتتهم دوس. و أنزل خالد بن ذي السبلة بناته هندا و جندلة و فطيمة و نضرة، فبنين بيتا، و جعلن يستقين الماء، و يحضّضن [7]. و كان الرجل إذا رجع فارّا أعطينه مكحلة و مجمرا [8]، و قلن معنا فانزلأي إنك من النساءو جعلت هند بنت خالد تحرّضهم و ترتجز و تقول:

من رجل ينازل الكتيبة

فذلكم تزني به الحبيبه‌

فلما التقوا رمى رجل من دوس رجلا من آل الحارث، فقال خذها و أنا أبو الزبن [9]، فقال ضماد و هو في رأس الجبل و بنو الحارث بحضرة الوادي يا قوم زبنتم فارجعوا. ثم رجل آخر [10] من دوس، فقال خذها و أنا أبو ذكر [11]. فقال ضماد ذهب القوم/ بذكرها، فاقبلوا رأيي و انصرفوا. فقال قد جبنت يا ضماد. ثم التقوا، فأبيدت بنو الحارث. هذه رواية أبي عمرو.

و أما الكلبي فإنه قال كان عامر بن بكر بن يشكر يقال له الغطريف و يقال لبنيه الغطاريف، و كان لهم ديتان،


[1] يتغاورون بالغين المعجمة يغير بعضهم على بعض.

[2] يقال تطرف عليهم، أي أغار. «اللسان» (طرف).

[3] تحرز تحصن.

[4] مران في س، ش بالباء، أما في ح فبالنون بدل الباء.

[5] نضرة وردت في ح بالصاد المهملة. و الطلق، أصل معناه الظبي، و يقال أيضا ناقة طلق لا عقال عليها. و الترائب عظام الصدر.

ينفحن ينضحن بالدم.

[6] مقرح مجروح.

[7] التحضيض الحث.

[8] المكحلة وعاء الكحل. و المجمر ما يوضع فيه الجمر.

[9] الزين الدفع. و حرب زبون يدفع بعضها بعضا. و زابنه دافعه.

[10] أي ثم رمى رجل آخر.

[11] أبو ذكر أي أبو الصيت و الثناء.

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 152

و لسائر قومه دية، و كانت لهم على دوس إتاوة يأخذونها كلّ سنة، حتى إن كان الرجل منهم ليأتي بيت الدّوسيّ فيضع سهمه أو نعله على الباب، ثم يدخل، فيجي‌ء/ الدوسي، فإذا أبصر ذلك انصرف و رجع عن بيته، حتّى أدرك عمرو بن حممة بن عمرو فقال لأبيه ما هذا التطوّل [1] الّذي يتطوّل به إخواننا علينا؟ فقال يا بنيّ، إن هذا شي‌ء قد مضى عليه أوائلنا، فأعرض عن ذكره. فأعرض عن هذا الأمر، و إنّ رجلا من دوس عرّس بابنة عم له، فدخل عليها رجل من بني عامر بن يشكر، فجاء زوجها فدخل على اليشكريّ، ثم أتى عمرو بن حممة فأخبره بذلك، فجمع دوسا و قام فيهم، فحرّضهم و قال إلى كم تصبرون لهذا الذلّ، هذه بنو الحارث، تأتيكم الآن تقاتلكم، فاصبروا تعيشوا كراما أو تموتوا كراما. فاستجابوا له، و أقبلت إليهم بنو الحارث فتنازلوا، و اقتتلوا، فظفرت بهم دوس، و قتلتهم كيف شاءت، فقال رجل من دوس يومئذ:

قد علمت صفراء حرشاء الذيل [2]

شرّابة المحض تروك للقيل [3]

ترخى فروعا مثل أذناب الخيل‌

أنّ بروقا دونها كالويل‌

دونها خرط القتاد بالليل [4]

 

/ و قال الحارث بن الطفيل بن عمرو الدوسي في هذا اليوم، عن أبي عمرو:

يا دار من ماويّ بالسّهب‌

بنيت على خطب من الخطب‌

إذ لا ترى إلا مقاتلة

عجانسا يرقلن بالركب [5]

مدجّجا يسعى بشكته‌

محمرّة عيناه كالكلب [6]

معاشرا صدأ الحديد بهم‌

عبق الهناء مخاطم الجرب [7]

لما سمعت نزال قد دعيت‌

أيقنت أنّهم بنو كعب [8]

كعب بن عمرو لا لكعب بني ال

عنقاء التّبيان في النسب‌

فرميت كبش القوم معتمدا

فمضى راشوه بذي كعب [9]

شكّوا بحقويه القداح كما

ناط المعرّض أقدح القضب [10]


[1] التطوّل وردت في ج: «الطول».

[2] الحرشاء الخشنة.

[3] المحض الخالص، و في الأصول: «المخض»، تحريف. و القيل بالياء اللبن يشرب نصف النهار. و يقال هو شروب للقيل، إذا كان مهيافا دقيق الخصر يحتاج إلى شرب نصف النهار.

[4] القتاد شجر صلب له شوك كالإبر.

[5] العجانس و مفردها عجنس كعملس بتشديد اللام و حذفت النون الثقيلة في الجمع لأنها زائدة الجمال الضخمة الصلبة الشديدة مع ثقل و بطء.

[6] الشكة السلاح.

[7] الهناء بالكسر القطران. و المخاطم ما يقاد منه البعير مكان الخطام.

[8] بنو كعب روى كلب في ج.

[9] الكبش الرئيس. راشوه حابوه من الرشوة، و الكلام تهكم، و ذي كعب الرمح.

[10] شكوا يقال شكه بالرمح انتظمه و في السلاح دخل. و الحقو الخصر. و القداح السهام. ناط علق. و المعرض الرامي الّذي يعرض القوس عرضا إذا أضجعها ثم رمى عنها. و الأقدح جمع قدح بالكسر السهم قبل أن يراش أو ينصل. و القضب جمع قضيب، و هو القوس عملت من قضيب أو من غصن غير مشقوق.

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 153

فكأنّ مهري ظلّ منغمسا

بشبا الأسنة مغرة الجأب [1]

يا ربّ موضوع رفعت مر

فوع وضعت بمنزل اللّصب [2]

حليل غانية هتكت قرارها

تحت الوغى بشديدة العضب [3]

كانت على حبّ الحياة فقد

أحللتها في منزل غرب [4]

جانيك من يجني عليك قد

تعدى الصّحاح مبارك الجرب» [5]

/ هذا البيت في الغناء في لحن ابن سريج؛ و ليس هو في هذه القصيدة، و لا وجد في الرواية، و إنما ألحقناه بالقصيدة لأنه في الغناء كما تضيف المغنون شعرا إلى شعر، و إن لم يكن قائلهما واحدا إذا اختلف الرويّ و القافية.

صوت‌

صرفت هواك فانصرفا

لم تدع الّذي سلفا

بنت فلم أمت كلفا

عليك لم تمت أسفا

كلانا واجد في النا

ممّن ملّه خلفا [6]

/ الشعر لعبد الصمد بن المعذّل، و الغناء للقاسم بن زرزور، رمل بالوسطى، و فيه لعمر الميداني هزج.


[1] المغرة بالفتح لون إلى الحمرة. و الجأب موضع.

[2] اللصب بالكسر مضيق الوادي. و اللواصب الآبار البعيدة القعر.

[3] العضب الطعن و القطع.

[4] الغرب البعيد.

[5] تعدى بالتاء المثناة الفوقية في س، ش أما في ج فبالباء الموحدة. و الصحاح الصحيحة من الإبل.

[6] واجد في ش، أما في س، ج فبالحاء المهملة و هو تحريف.

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 154

18- أخبار عبد الصمد بن المعذل و نسبه‌

عبد الصمد بن المعذل بن غيلان بن الحكم بن البختريّ [1] بن المختار بن ذريح بن أوس بن همّام بن ربيعة بن بشير بن حمران بن حدرجان بن عساس [2] بن ليث بن حداد بن ظالم بن ذهل بن عجل بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى [3] بن عبد القيس بن أفصى بن دعميّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار. و قيل ربيعة بن ليث بن حمران.

وجدت في كتاب بخطّ أحمد بن كامل حدّثني غيلان بن المعذل أخو عبد الصمد، قال كان أبي يقول:

أفصى أبو عبد القيس هو أفصى بن جديلة بن أسد، و أفصى جدّ بكر بن وائل هو أفصى بن دعميّ. و النسابون يغلطون في قولهم عبد القيس بن أفصى بن دعميّ. و يكنى عبد الصمد أبا القاسم، و أمه أم ولد يقال لها الزّرقاء.

شاعر فصيح من شعراء الدولة العباسية، بصريّ المولد و المنشأ. و كان هجاء خبيث [4] اللسان، شديد العارضة، و كان أخوه أحمد أيضا شاعرا، إلا أنه كان عفيفا، ذا مروءة و دين و تقدّم في المعتزلة، و له جاه [5] واسع في بلده و عند سلطانه، لا يقاربه عبد الصمد فيه، فكان يحسده و يهجوه فيحلم عنه، و عبد الصمد أشعرهما، و كان أبو عبد الصمد المعذل و جدّه غيلان شاعرين، و قد روى عنهما شي‌ء [6] من الأخبار و اللغة و الحديث ليس بكثير، و المعذّل بن غيلان هو الّذي يقول:

/إلى اللّه أشكو لا إلى الناس أنني‌

أرى صالح الأعمال لا أستطيعها

أرى خلّة في إخوة أقارب‌

ذي رحم ما كان مثلي يضيعها

فلو ساعدتني في المكارم قدرة

لفاض عليهم بالنوال ربيعها

أنشدنا ذلك له علي بن سليمان الأخفش، عن المبرّد، و أنشدناه محمّد بن خلف بن المرزبان عن الرّبعي أيضا. قالا و هو القائل:

لست بميّال إلى جانب الغنى‌

إذا كانت العلياء في جانب الفقر

إنّي لصبّار على ما ينوبني‌

حسبك أنّ اللّه أثنى على الصبر

تهاجى أبان و المعذل‌

أخبرني محمّد بن خلف، قال حدّثنا النّخعيّ و إسحاق، قال هجا أبان اللاحقيّ المعذّل بن غيلان، فقال:

كنت أمشي مع المعذّل يوما

ففسا فسوة فكدت أطير


[1] س، ش: «البحتري».

[2] عساس في س، ش. و في ج «غسان».

[3] أفصى بالصاد المهملة في س، ش أما في ج فبالضاد المعجمة، و هو تحريف.

[4] خبيث اللسان في س، ش أما في ج فيسبقهما كلمة «خبيثا».

[5] و له جاه في س، ش أما في ج فبإسقاط لفظ «له».

[6] ح: «شي‌ء عنهما».

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 155

فتلفت هل أرى ظربانا

من ورائي الأرض بي تستدير [1]

فإذا ليس غيره إذا إع

صار ذاك الفساء منه يفور

فتعجّبت ثم قلت لقد أع

رف، هذا فيما أرى خنزير

فأجابه المعذّل فقال [2]:

/صحّفت أمّك إذ سمّ‌

تك بالمهد أبانا

قد علمنا ما أرادت‌

لم ترد إلا أتانا

صيّرت باء مكان ال

تاء اللّه عيانا

قطع اللّه وشيكا

من مسمّيك اللسانا

المعذل و عبد اللّه بن سوار

أخبرني عمي قال حدّثنا المبرد قال مرّ المعذل بن غيلان بعبد اللّه بن سوّار العنبريّ القاضي، فاستنزله عبد اللّه، و كان من عادة المعذّل أن ينزل عنده، فأبى، و أنشده:

من حق المودة أن نقضّي‌

ذمامكم لا تقضوا ذماما [3]

قد قال الأديب مقال صدق‌

رآه الآخرون لهم إماما

إذا أكرمتكم أهنتموني‌

لم أغضب لذلكم فذاما [4]

قال و انصرف، فبكّر إليه عبد اللّه بن سوار، فقال له رأيتك أبا عمرو مغضبا. فقال أجل ماتت بنت أختي و لم تأتني. قال ما علمت ذلك. قال ذنبك أشد من عذرك، و ما لي أنا أعرف خبر حقوقك، و أنت لا تعرف خبر حقوقي؟! فما زال عبد اللّه يعتذر إليه حتى رضي عنه.

هجاء عبد الصمد لشروين المغني‌

حدّثني الحسن بن علي الخفّاف، قال حدّثنا ابن مهرويه عن الحمدوني، قال كان شروين حسن الغناء و الضّرب، و كان من أراد أن يغنّيه حتى يخرج من جلده جاء بجويرية سوداء فأمرها أن تطالعه، و تلوّح له بخرقة حمراء، ليظنّها امرأة تطالعه، فكان حينئذ يغنّي أحسن ما يقدر عليه تصنّعا لذلك، فغضب عليه عبد الصمد في بعض الأمور، فقال يهجوه:

من حلّ شروين له منزلا

فلتنهه الأولى عن الثانية

فليس يدعوه إلى بيته‌

إلّا فتى في بيته زانية

هجاؤه لزان متزوج زانية

أخبرني الحسن، قال حدّثنا ابن مهرويه، قال حدّثني أبو عمرو البصري، قال قال عبد الصمد بن المعذّل في رجل زان من أهل البصرة كانت له امرأة تزني، فقال:


[1] الظربان دويبة صغيرة منتنة جدا، و يقال إنها إذا فست في ثوب لم تذهب رائحته حتى يبلى.

[2] «فقال» ساقطة من ح.

[3] ح: «يقضي ذمامكم».

[4] أي ما ذا يسمى ذلك.

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 156

/

إن كنت قد صفّرت أذن الفتى‌

فطالما صفّر آذانا

لا تعجبي إن كنت كشخنته‌

فإنّما كشخنت كشخانا [1]

شعره في الفتى الكاتب الّذي عشق جارية ابن الجوهري‌

أخبرني جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب، قال حدّثنا سوّار بن أبي شراعة، قال:

كان بالبصرة رجل يعرف بابن الجوهري، و كانت له جارية مغنية حسنة الغناء، و كان ابن الجوهري شيخا همّا قبيح الوجه، فتعشّقت فتى كاتبا كان يعاشره و يدعوه، و كان الفتى نظيفا ظريفا، فاجتمعت معه مرارا في منزله، و كان عبد الصمد يعاشره، فكان الفتى يكاتمه أمره، و يحلف له أنّه لا يهواها، فدخلت عليهما ذات يوم بغتة، فبقي الفتى باهتا لا يتكلّم، و تغير لونه و تخلّج في كلامه، فقال عبد الصمد:

لسان الهوى ينطق‌

مشهده يصدق [2]

لقد نمّ هذا الهوى‌

عليك ما يشفق [3]

إذا لم تكن عاشقا

فقلبك لم يخفق [4]

/ ما لك إمّا بدت‌

تحار فلا تنطق‌

أشمس تجلّت لنا

أم القمر المشرق‌

الغناء في هذه الأبيات لرذاذ، و يقال للقاسم بن زرزور، رمل مطلق.

/ قال ثم طال الأمر بينهما، فهربت إليه جملة، فقال عبد الصمد في ذلك:

إلى امرئ حازم ركبت‌

أيّ امرئ عاجز تركت [5]

فتنة ابن الجوهريّ لقد

أظهرت نصحا قد أفكت‌

أكذبتها عزمة ظهرت‌

لا تبالي نفس من سفكت‌

ظفرت فيها بما هويت‌

نجت من قرب من فركت [6]

ثمّ خدود بعدها لطمت‌

جيوب بعدها هتكت‌

عيون لا يرقّأن على‌

حسن وجه فاتهنّ بكت [7]

خرجت الليل معتكر

لم يهلها أيّة سلكت‌

عيون النّاس قد هجعت‌

دجى الظّلماء قد حلكت‌

لم تخف وجدا بعاشقها

حرمة الشّهر الّذي انتهكت‌


[1] كشخن الرجل صار لا يغار و اتهم بالدياثة، و هي أن يرى الرجل العمل الفاضح في أهله و لا يغار.

[2] مشهده، و في كل الأصول: «مشاهده» و لا يستقيم الوزن.

[3] في كل الأصول: «تم» و هو تصحيف.

[4] لم يخفق أي لما ذا يخفق.

[5] في ب، ش: «إلى امرئ».

[6] فركت كرهت.

[7] فاتهن بالتاء، و في كل الأصول بالنون و هو تحريف.

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 157

رأت لمّا سقت كمدا

أنّها في دينها نسكت‌

ملئت كفّ بها ظفرت‌

دون هذا الخلق ما ملكت‌

أيّ ملك إذا خلا خلت‌

فشكا أشجانه شكت‌

تجتلي من وجهه ذهبا

هو يجلو فضّة فتكت [1]

هكذا فعل الفتاة إذا

هي في عشّاقها محكت [2]

هجاؤه لجار له يمشي مشية منكرة

أخبرني الحسن بن علي، قال حدّثنا محمّد بن القاسم بن مهرويه، قال حدّثني بعض أصحابنا قال:

نظر عبد الصمد بن المعذّل إلى جار له يخطر في مشيته خطرة منكرة، و كان فقيرا رثّ الحال، فقال فيه:

/يتمشّى في ثوب عصب من العر

على عظم ساقه مسدول [3]

دبّ في رأسه خمار من الجو

سرى خمرة الرحيق الشمول [4]

فبكى شجوه حنّ إلى الخ

بز نادى بزفرة عويل‌

من لقلب متيّم برغيفي

نفس تاقت إلى طفشيل [5]

ليس تسمو إلى الولائم نفسي‌

جلّ قدر الأعراس عن تأميلي [6]

هات لونا قل لتلك تغنّي‌

لست أبكي لدارسات الطّلول [8]

رثاؤه لأبي سلمة الطفيلي‌

أخبرنا سوّار بن أبي شراعة، قال كان بالبصرة طفيليّ يكنّى أبا سلمة، و كان إذا بلغه خبر وليمة لبس لبس القضاة، و أخذ ابنيه معه و عليهما القلانس الطّوال، و الطّيالسة الرقاق [9]، فيقدّم ابنيه، فيدقّ الباب أحدهما و يقول:

افتح يا غلام لأبي سلمة. ثم لا يلبث البواب حتى يتقدّم لآخر، فيقول افتح ويلك فقد جاء أبو سلمة. و يتلوهم، فيدقّون جميعا الباب،/ و يقولون بادر ويلك، فإنّ أبا سلمة واقف. فإن لم يكن عرفهم فتح لهم، وهاب منظرهم [9]، و إن كانت معرفته إياهم قد سبقت لم يلتفت إليهم، و مع كلّ واحد منهم فهر مدوّر يسمونه [10] «كيسان»، فينتظرون حتّى يجي‌ء بعض من دعي، فيفتح له الباب، فإذا فتح طرحوا الفهر في العتبة حيث يدور الباب، فلا يقدر البواب على غلقه، و يهجمون عليه فيدخلون. فأكل أبو سلمة/ يوما على بعض الموائد لقمة حارّة من فالوذج [11]، و بلعها لشدّة حرارتها، فجمعت أحشاؤه فمات على المائدة، فقال عبد الصمد بن المعذل يرثيه:


[1] في الأصول: «من وجهه».

[2] محكت لجت و أمعنت. و من معانيه عسر الخلق.

[3] العصب ضرب من البرود.

[4] الخمار بضم الخاء ألم الخمر و صداعها، و مثله الخمرة بالضم. و الشمول الباردة.

[5] الطفشيل نوع من المرق، أو ضرب من الطعام. انظر تحقيقه في «حواشي الحيوان» (3: 24). س، ش: «التطفيل».

[6] التأميل التثبت في الأمر و النظر.

[7] روى «طولا» بدل «لونا».

[8] القلانس ألبسة الرأس. و الطيالسة ملابس سود. و الرقاق هي في ح: «الزرق».

[9] في س، ش: «وهاب منظرهم» أما في ح حذف هذه الجملة.

[10] الفهر الحجر.

[11] الفالوذج حلوى من الماء و الدقيق و العسل.

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 158

أحزان نفسي عليها غير منصرمه‌

أدمعي من جفوني الدّهر منسجمه [1]

على صديق مولى لي فجعت به‌

ما إن له في جميع الصالحين لمه [2]

كم جفنة مثل جوف الحوض مترعة

كوماء جاء بها طباخها رذمه [3]

قد كلّلتها شحوم من قليّتها

من سنام جزور عبطة سنمه [4]

غيّبت عنها فلم تعرف له خبرا

لهفي عليك ويلي يا أبا سلمه‌

لو تكون لها حيّا لما بعدت‌

يوما عليك لو في جاحم حطمه [5]

قد كنت أعلم أنّ الأكل يقتله‌

لكنّني كنت أخشى ذاك من تخمه‌

إذا تعمّم في شبليه ثم غدا

فإنّ حوزة من يأتيه مصطلمه [6]

شعره في فتى عشقه‌

أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان، قال حدّثني أحمد بن يزيد المهلبي عن أبيه، قال:

كان عبد الصمد بن المعذل يتعشّق فتى من المغنين، يقال له أحمد، فغاضبه الفتى و هجره، فكتب إليه:

صوت‌

سل جزعي مذ صددت عن حالي‌

هل خطر الصبر على بالي‌

لا غيّر اللّه سوء فعلك بي‌

إن كنت أعتبت فيك عذّالى‌

لا ذممت البكالي عليك لا

حمدت حسن السلوّ من سال‌

لو كنت أبغي سواك ما جهلت‌

نفسي أنّ الصّدود أعفى لي [7]

لجحظة في هذه الأبيات رمل مطلق.

هجاؤه لقينة بصرية

أخبرني الحسن بن علي، قال حدّثنا محمّد بن القاسم بن مهرويه، قال حدّثني عليّ بن محمّد النّوفلي، فقال:

هجا عبد الصمد بن المعذّل قينة بالبصرة قال فيها:

تفتّر عن مضحك السّدريّ إن ضحكت‌

كرف الأتان رأت إدلاء أعيار [8]


[1] منسجمة منصبة سائلة.

[2] اللمة، بالضم المثل و الشكل.

[3] الكوماء المرتفعة. و الرذمة الّتي تسيل دسما.

[4] الجزور الناقة المذبوحة. و العبطة ما ذبحت من غير علة. و السنمة العظيمة السنام.

[5] الجاحم الحطمة النار الشديدة.

[6] الشبلان عنى بهما الولدين. و المصطلمة المستأصلة.

[7] أعفى أطيب و أحسن.

[8] السدري، غنى به أبا نبقة السدري انظر ص 250. كرف الأتان يقال كرف الحمار و غيره يكرف، شم بول الأتان ثم رفع رأسه و قلب جحفلته. و ربما قيل كرفت الأتان. و كل ما شممته فقد گرفته. الإدلاء يقال أدلى الفرس أو البعير أخرج ذكره ليبول. و الأعيار:

جمع عير، و هو الحمار.

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 159

يفوح ريح كنيف من ترائبها

سوداء حالكة دهماء كالقار [1]

قال فكسدت و اللّه تلك القينة بالبصرة، فلم تدع و لم تستتبع حتّى أخرجت عنها.

عتابه لبعض الأمراء

أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال حدّثنا المبرد، قال:

كتب عبد الصمد بن المعذل إلى بعض الأمراء رقعة فلم يجبه عنها، لشي‌ء كان بلغه عنه، فكتب إليه:

قد كتبت الكتاب ثم مضى اليو

لم أدر ما جواب الكتاب‌

/ ليت شعري عن الأمير لما ذا

لا يراني أهلا لردّ الجواب/

لا تدعني أنت رفّعت حالي‌

ذا انخفاض بهجرتي اجتنابي‌

إن أكن مذنبا فعندي رجوع‌

بلاء بالعذر الإعتاب‌

أنا الصادق الوفاء ذو العه

الوثيق المؤكّد الأسباب‌

هجاؤه للمهلبي الّذي كان يخدع الفتيات‌

أخبرني الحرميّ بن عليّ، قال حدّثني أبو الشبل، قال:

كان بالبصرة رجل من ولد المهلّب بن أبي صفرة، يقال له صبيانة، و كان له بستان سريّ في منزله، فكان يدعو الفتيات إليه، فلا يعطيهنّ شيئا من الدراهم، و يقصر بهن على ما يحملنه من البستان معهنّ، مثل الرّطب و البقول و الرياحين، فقال فيه عبد الصمد قوله [2]:

قوم زناة مالهم دراهم‌

جذرهم النّمّام الحماحم [3]

أنذل من تجمعه المواسم‌

خسّوا خسّت منهم المطاعم‌

فعدلهم إن قسته المظالم [4]

 

جزع عبد الصمد من هجاء الجماز

أخبرني جعفر بن قدامة، قال حدّثني سوّار بن أبي شراعة، و أخبرنا به سوار إجازة، قال حدّثني أبي، قال:

لمّا هجا الجماز عبد الصمد بن المعذّل جاءني فقال لي أنقذني منه. فقلت له أمثلك يفرق [5] من الجماز؟

فقال نعم، لأنه لا يبالي بالهجاء و لا يفرق منه، و لا عرض له، و شعره ينفق [6] على من لا يدري. فلم أزل حتّى أصلحت بينهما بعد أن سار قوله فيه:

/ابن المعذّل من هو

من أبوه المعذّل‌

سألت وهبان عنه‌

فقال بيض محوّل [7]


[1] الترائب عظام الصدر، أو ما بين الثديين، أو أربع أضلاع من جانبي الصدر، أو موضع القلادة.

[2] قوله، ليست في س، ش.

[3] الجذر الأصل. و النمام نبت طيب مدر. و الحماحم الحبق البستاني العريض الورق.

[4] ح: «مظالم».

[5] يفرق يخاف و يفزع.

[6] ينفق يروج و ينتشر.

[7] محول أي حضنه غير أبويه.

الأغاني، ابو الفرج اصفهانى، ج‌13، ص: 160

وهبان و عبد الصمد

قال و كان وهبان هذا رجلا يبيع الحمام [1]، فجمع جماعة من أصحابه و جيرانه، و جعل يغشى المجالس، و يحلف أنّه ما قال إن عبد الصمد بيض محوّل، و يسألهم أن يعتذروا إليه؛ فكان هذا منه قد صار بالبصرة طرفة و نادرة، فجاءني عبد الصمد يستغيث منه، و يقول لي أ لم أقل لك إنّ آفتي منه عظيمة، و اللّه لدوران وهبان على النّاس يحلف لهم إنه ما قال إني بيض محوّل، أشدّ عليّ من هجائه لي. فبعثت إلى وهبان فأحضرته، و قلت له:

يا هذا، قد علمنا أنّ الجماز قد كذب عليك، و عذرناك فنحبّ أن لا نتكلف العذر إلى الناس في أمرنا، فإنّا قد عذرناك. فانصرف و قد لقي عبد الصمد بلاء.

تدخل الحمدوي بين عبد الصمد و مضرطان‌

أخبرني محمّد بن جعفر الصيدلانيّ النحويّ صهر المبرد، قال حدّثني إسحاق بن محمّد النخعي قال قال لي أبو شراعة القيسيّ:

بلغ أبا جعفر مضرطان أن عبد الصمد بن المعذّل هجاه، و اجتمعا عند أبي وائلة السّدوسيّ، فقال له مضرطان بلغني أنك هجوتني. فقال له عبد الصمد [2] من أنت حتى أهجوك؟ قال هذا شرّ من الهجاء. فوثب إلى عبد الصّمد يضربه، فقال الحمدويّ، و هو إسماعيل بن إبراهيم بن حمدويه، و حمدويه جدّه، و هو الّذي كان يقتل الزنادقة:

/ألذّ من صحبة القناني‌

أو اقتراح على قيان [3]

لكز فتى من بني لكيز

يهدى له أهون الهوان [4]

أهوى له بازل خدبّ‌

يطحن قرنيه بالجران [5]/

فنال منه ثؤور قوم‌

باليد طورا باللّسان [6]

كان يفسو فصار حقّا

يضرط من خوف مضرطان‌

على بن الحسين أبو الفرج الإصفهاني، الأغاني، ابو الفرج اصفهانى بيروت، چاپ: اول، م 1994 / ق‌1415.

نام کتاب : الاغانی نویسنده : ابو الفرج الإصفهاني    جلد : 13  صفحه : 130
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست