منع القرار فجئت نحوك هاربا
جيش يجرّ و مقنب يتلمع [1]
فقال عبد الملك: و ما خوفك لا أمّ لك، لو لا [2] أنك مريب! فقال عبد اللّه:
إنّ البلاد علي و هي عريضة
و عرت مذاهبها و سدّ المطلع
فقال له عبد الملك: ذلك بما كسبت يداك، و ما اللّه بظلّام للعبيد. فقال عبد اللّه:
كنا تنحّلنا البصائر مرّة
و إليك إذ عمي البصائر نرجع [3]
إن الّذي يعصيك منا بعدها
من دينه و حياته متودّع
آتي رضاك و لا أعود لمثلها
و أطيع أمرك ما أمرت و أسمع
أعطي نصيحتي الخليفة ناخعا
و خزامة الأنف المقود فأتبع [4]
/ فقال له عبد الملك: هذا لا نقبله منك إلا بعد المعرفة بك و بذنبك، فإذا عرفت الحوبة قبلنا التوبة. فقال عبد اللّه:
و لقد وطئت بني سعيد وطأة
و ابن الزبير فعرشه متضعضع
فقال عبد الملك: للّه الحمد و المنة على ذلك. فقال عبد اللّه:
ما زلت تضرب منكبا عن منكب
تعلو و يسفل غيركم ما يرفع
و وطئتم في الحرب حتى أصبحوا
حدثا يكوس و غابرا يتجعجع [5]
فحوى خلافتهم و لم يظلم بها
القرم قرم بني قصيّ الأنزع [6]
لا يستوي خاوي نجوم أفل
و البدر منبلجا إذا ما يطلع [7]
/ وضعت أميّة واسطين لقومهم
و وضعت وسطهم فنعم الموضع [8]
بيت أبو العاصي بناه بربوة
عالي المشارف عزّه ما يدفع [9]
فقال له عبد الملك: إنّ توريتك عن نفسك لتريبني، فأيّ الفسقة أنت؟ و ما ذا تريد؟ فقال:
حربت أصيبيتى يد أرسلتها
و إليك بعد معادها ما ترجع [10]
[2] في ح: «إلا».
[3] تنحله و انتحله: ادّعاه لنفسه و هو لغيره. و في ح: «إن».
[4] في الأصول: «ناجعا»، تحريف. و يقال نخع فلانا الود و النصيحة: أخلصهما له. الخزامة: حلقة في أنف البعير أو في لحمة أنفه.
[5] في الأصل: «يئوس» تحريف. و يكوس، من قولهم كأس البعير: مشى على ثلاث قوائم بعد ما عرقب. يتجعجع: يضرب بنفسه الأرض من وجع.
[6] الأنزع: من ينحسر عنه الشعر من أعلى الجبين حتى يصعد في الرأس. و في صفة عليّ رضي اللّه عنه «البطين الأنزع». و العرب تحب النزع و تتيمن بالأنزع.
[7] الخاوي من النجوم: الماحل الّذي لا يمطر.
[8] الواسطون: الحيار.
[9] المشارف: الأعالي.
[10] حربت: سلبت المال و لم تترك شيئا. و في ح، ب بالجيم المعجمة. أصيبيتى: تصغير أصبية بفتح الهمزة و سكون الصاد و كسر الباء جمع صبي.