و
أخيل [1] عليهم من السّباع و الطير لا تأكلهم حتى أوذن قومهم بهم بعمق [2]. فأقام
توبة حتّى أتته الراوية قبل اللّيل، فسقاهم من الماء و غسل عنهم الدماء، و جعل في
أساقيهم [3] ماء، ثم خيّل لهم بالثّياب على الشجر، ثم مضى حتى طرق من اللّيل سارية
بن عويمر [4] بن أبي عديّ العقيليّ فقال: إنّا قد تركنا رهطا من قومكم بسمرات من
قرون بقر، فأدركوهم، فمن كان حيّا فداووه، و من كان ميّتا فادفنوه، ثم انصرف فلحق
بقومه. و صبّح/ سارية القوم فاحتملهم و قد مات ثور بن أبي سمعان و لم يمت غيره.
فلم يزل توبة خائفا. و كان السّليل بن ثور المقتول راميا كثير البغي و الشرّ،
فأخبر [5] بغرّة من توبة و هو [6] بقنّة من قنان الشّرف يقال لها قنّة بني
الحميّر، فركب في نحو ثلاثين فارسا حتى طرقه؛ فترقّى توبة و رجل من إخوته في
الجبل، فأحاطوا بالبيوت، فناداهم و هو في الجبل: ها أنا ذا من تبغون فاجتنبوا [7]
البيوت. فقالوا: إنكم لن تستطيعوه و هو في الجبل، و لكن خذوا ما استدفّ [8] لكم من
ماله، فأخذوا أفراسا له و لإخوته و انصرفوا. ثم إنّ توبة غزاهم، فمرّ على أفلت [9]
بن حزن بن معاوية بن خفاجة ببطن بيشة [10]. فقال: يا توبة أين تريد؟ قال: أريد
الصبيان من بني عوف بن عقيل. قال: لا تفعل فإنّ القوم قاتلوك، فمهلا. قال: لا أقلع
عنهم ما عشت، ثم ضرب بطن فرسه فاستمرّ به يحضر [11] و [هو [12]] يرتجز و يقول:
حتى انتهى إلى
مكان، يقال له حجر الرّاشدة، ظليل، أسفله كالعمود، و أعلاه منتشر، فاستظلّ فيه [هو
[12]] و أصحابه. حتى إذا كان بالهاجرة مرّت عليه إبل هبيرة بن السّمين أخي/ بني
عوف بن عقيل واردة ماء لهم يقال له طلوب، فأخذها و خلّى طريق راعيها، و قال له:
إذا أتيت صدغ البقرة [14] مولاك فأخبره أنّ توبة أخذ الإبل، ثم انصرف توبة [يطرد
الإبل [15]]. قال: فلمّا ورد العبد على مولاه فأخبره نادى في بني عوف و قال: حتّام
هذا!.
[1]
التخييل هنا: وضع خيال على الشيء لتفزع منه السباع، يقال: خيل له، و خيل عليه.
[2] عمق:
موضع. و في «مختار الأغاني»: «حتى أوذن قومهم يغمونهم».
[3] الأساقي:
جمع أسقية، و الأسقية: جمع سقاء (بالكسر) و هو وعاء الماء. فالأساقي جمع الجمع. و
في «مختار الأغاني»: «و جعل لهم في أشنانهم ماء». و الأشنان: جمع شن، و هو القربة
الخلق، و هي طيبة الماء لأنه ذهب منها ما يغير ماءها.
[4] تقدم في صفحة
211 «سارية بن عمير ...» و لم نهتد لوجه الصواب فيه.
[5] كذا في
«مختار الأغاني». و في «الأصول»: «و أخبر».
[6] في
«الأصول»: «و هم» و التصويب من «مختار الأغاني».
[7] في
«الأصول»: «هذا من تبغون فأجيبوا» و التصويب من «مختار الأغاني».
[8] كذا في
«ج». و استدف: تهيأ و أمكن. يقال خذ ما دف لك و استدف، أي خذ ما تهيأ و أمكن و
تسهل. و في «سائر الأصول»: «ما استدنى».
[9] في
«الأصول»: «قلب بن حزن» و التصويب من «مختار الأغاني».
[10] في
«الأصول»: «يبطن نفسه». و التصويب من «مختار الأغاني».
[11] كذا في
«ج» و «مختار الأغاني». و الإحضار؛ عدو سريع. و في «سائر الأصول»: «يخطر».