فخرج إلى مكة، و كان هذا أوّل ما هاج الشرّ بينه و بين ابن الزبير.
وقعة الحرّة
قال المدائنيّ:
و اجتمع أهل المدينة لإخراج بني أمية عنها، فأخذوا عليهم العهود ألّا يعينوا عليهم
الجيش، و أن يردّوهم عنهم، فإن لم يقدروا على ردّهم لا يرجعوا إلى المدينة معهم.
فقال لهم عثمان بن محمد بن أبي سفيان: أنشدكم اللّه في دمائكم و طاعتكم! فإنّ
الجنود تأتيكم و تطؤكم، و أعذر لكم ألّا تخرجوا أميركم،/ إنكم إن ظفرتم و أنا مقيم
بين أظهركم فما أيسر شأني و أقدركم على إخراجي! و ما أقول هذا إلّا نظرا لكم أريد
به حقن دمائكم. فشتموه و شتموا يزيد، و قالوا: لا نبدأ إلّا بك، ثم نخرجهم بعدك.
فأتى مروان [1] عبد اللّه بن عمر فقال:
يا أبا عبد
الرحمن، إنّ هؤلاء القوم قد ركبونا بما ترى، فضمّ عيالنا. فقال: لست من أمركم و
أمر هؤلاء في شيء.
فقام مروان و
هو يقول: قبح اللّه هذا أمرا و هذا دينا. ثم أتى عليّ بن الحسين- عليهما السّلام-
فسأله أن يضمّ أهله و ثقله [2] ففعل، و وجّههم و امرأته أمّ أبان [3] بنت عثمان
إلى الطائف و معها ابناه: عبد اللّه و محمد. فعرض حريث رقّاصة- و هو مولى لبني بهز
[4] من سليم كان بعض عمّال المدينة قطع رجله فكان إذا مشى كأنه يرقص، فسمّي
رقاّصة- لثقل مروان و فيه أمّ عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، فضربته بعضا فكادت
[5] تدقّ عنقه، فولّى و مضى. و مضوا إلى الطائف و أخرجوا بني أميّة. فحسّ [6] بهم
سليمان بن أبي الجهم العدويّ و حريث رقّاصة، فأراد مروان أن يصلّي بمن معه فمنعوه،
و قالوا: لا يصلّي [7] و اللّه بالناس أبدا، و لكن إن أراد أن يصلّي بأهله فليصلّ،
فصلّى بهم و مضى. فمرّ مروان بعبد الرحمن بن أزهر الزّهريّ، فقال له: هلمّ إليّ يا
أبا عبد الملك، فلا يصل إليك مكروه ما بقي رجل من بني زهرة. فقال له: وصلتك رحم،
قومنا على أمر [8] فأكره أن أعرّضك لهم.
و قال ابن عمر
بعد ذلك- لمّا أخرجوا و ندم على ما كان قاله لمروان-: لو وجدت/ سبيلا الى نصر
هؤلاء لفعلت، فقد ظلموا و بغي عليهم. فقال ابنه سالم: لو كلّمت هؤلاء القوم! فقال:
يا بنيّ، لا ينزع هؤلاء القوم عمّا هم عليه، و هم بعين اللّه، إن أراد أن يغيّر
غيّر. قال: فمضوا «إلى ذي خشب» [9]، و فيهم عثمان بن محمد بن أبي سفيان و الوليد
بن عتبة بن أبي سفيان، و اتّبعهم العبيد و الصّبيان و السّفلة يرمونهم. ثم رجع
حريث رقّاصة و أصحابه إلى المدينة، و أقامت بنو أميّة ب «ذي خشب» عشرة أيام، و
سرّحوا حبيب بن كرة [10] إلى يزيد بن معاوية يعلمونه،
[1]
هو مروان بن الحكم و كان إذ ذاك في المدينة أخرجوه مع عثمان بن محمد بن أبي سفيان
في وقعة الحرّة. (انظر «العقد الفريد» ج 2 ص 311).