بمنزلة حمامة من حمام مكة، أ فكنت قاتلا حماما من حمام مكة؟ قال:
نعم، و ما حرمة حمام مكة! يا غلام، ائتني بقوسي و أسهمي، فأتاه بقوسه و أسهمه،
فأخذ سهما فوضعه في كبد القوس ثم سدّده نحو حمامة من حمام المسجد و قال: يا حمامة،
أ يشرب يزيد بن معاوية الخمر؟ قولي نعم، فو اللّه: لئن فعلت لأرمينّك. يا حمامة، أ
تخلعين يزيد بن معاوية و تفارقين أمّة محمد صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و تقيمين
في الحرم حتى يستحلّ بك؟ و اللّه لئن فعلت لأرمينّك. فقال ابن الزّبير: ويحك! أ و
يتكلم الطائر؟ قال: لا! و لكنك يا ابن الزبير تتكلم. أقسم باللّه لتبايعنّ طائعا
أو مكرها أو لتتعرّفنّ راية الأشعريّين في هذه البطحاء، ثم لا أعظّم من حقّها ما
تعظّم [1]. فقال ابن الزبير: أو تستحلّ [2] الحرم! قال: إنما يستحلّه من ألحد فيه.
فحبسهم شهرا ثم ردّهم إلى يزيد بن معاوية و لم يجبه إلى شيء. و في رواية أحمد بن
الجعد: و قال بعض الشعراء- و هو أبو العباس الأعمى، و اسمه السائب بن فرّوخ يذكر
ذلك و شبر ابن الزبير بطنه-:
قال الهيثم: ثم
إنّ ابن الزّبير مضى إلى صفيّة بنت أبي عبيد [5] زوجة عبد اللّه بن عمر، فذكر لها
أنّ خروجه كان غضبا للّه تعالى و رسوله- عليه السّلام- و المهاجرين/ و الأنصار من
أثرة معاوية و ابنه [و أهله] [6] بالفيء [7]، و سألها مسألته أن يبايعه. فلما
قدّمت له عشاءه ذكرت له أمر ابن الزبير و اجتهاده، و أثنت عليه و قالت: ما يدعو
إلّا إلى طاعة اللّه جلّ و عزّ، و أكثرت القول في ذلك. فقال لها: أ ما رأيت بغلات
معاوية اللواتي كان يحجّ عليهنّ [8] الشّهب، فإنّ ابن الزبير ما يريد غيرهنّ! قال
المدائنيّ في خبره: و أقام ابن الزبير على خلع يزيد و مالأه [9] على ذلك أكثر
الناس. فدخل عليه عبد اللّه بن مطيع و عبد اللّه بن حنظلة و أهل المدينة المسجد و
أتوا المنبر فخلعوا يزيد.
فقال عبد اللّه
بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزوميّ:/ خلعت يزيد كما خلعت عمامتي، و نزعها عن
رأسه و قال: إني لأقول هذا و قد وصلني و أحسن جائزتي، و لكنّ عدوّ اللّه سكّير
خمّير. و قال آخر: خلعته كما خلعت نعلي. و قال آخر: خلعته كما خلعت ثوبي. و قال
آخر: قد خلعته كما خلعت خفّي، حتى كثرت العمائم و النّعال و الخفاف، و أظهروا
البراءة منه و أجمعوا على ذلك، و امتنع منه عبد اللّه بن عمر و محمد بن عليّ بن
أبي طالب- عليهما السّلام- و جرى بين محمد خاصّة و بين أصحاب ابن الزبير فيه قول
كثير، حتى أرادوا إكراهه على ذلك،
[7] الفىء:
ما أفاء اللّه من أموال المشركين على المسلمين من غير حرب و لا جهاد مثل الجزية و
ما صولحوا عليه؛ إذ أصل الفىء الرجوع، كأنه كان لهم فرجع إليهم. و الغنيمة: ما
اغتنم في الحرب. و النّفل مثلها.
[8] في ت:
«التي كان يحج عليها» و في النسخ جميعا: «فإن ابن الزبير ما يريد غيرهن».
[9] كذا في
ت. و في سائر النسخ: «و ما لأ» بدون الضمير.