قال: مهرك. فنفحت به [1] و قالت: وا سوأتاه! فقال: احتبسي منه لنفسك
و وسّعي منه لأهلك، و قال لحفصة:
يا بنتاه،
أصلحي من شأنها و غيّري بدنها [2] و اصبغي ثوبها، ففعلت. ثم أرسل بها مع نسوة إلى
عثمان. فقال عمر لمّا فارقته: إنها أمانة في عنقي أخشى/ أن تضيع بيني و بين عثمان،
فلحقهنّ فضرب على عثمان بابه، ثم قال: خذ أهلك بارك اللّه لك فيهم. فدخلت على
عثمان، فأقام عندها مقاما طويلا لا يخرج إلى حاجة. فدخل عليه سعيد بن العاص فقال
له: يا أبا عبد اللّه، لقد أقمت عند هذه الدّوسيّة مقاما ما كنت تقيمه عند النساء.
فقال: أما إنه ما بقيت خصلة كنت أحبّ أن تكون في امرأة إلا صادفتها فيها ما خلا
خصلة واحدة. قال: و ما هي؟ قال: إنّي رجل قد دخلت في السّنّ، و حاجتي في النساء
الولد، و أحسبها حديثة لا ولد فيها/ اليوم. قال: فتبسّمت. فلمّا خرج سعيد من عنده
قال لها عثمان: ما أضحكك؟ قالت: قد سمعت قولك في الولد، و إني لمن نسوة ما دخلت
امرأة منهنّ على سيّد قطّ فرأت حمراء [3] حتى تلد سيّد من هو منه. قال: فما رأت
حمراء حتى ولدت عمرو بن عثمان. و أمّ عمر بن عمرو بن عثمان و أمّ ولد. و أمّ
العرجيّ آمنة بنت عمر بن عثمان؛ و قال إسحاق: بنت سعيد بن عثمان، و هي لأمّ ولد.
سبب تلقبه
بالعرجي و نحوه نحو عمر بن أبي ربيعة في شعره
أخبرني الحرميّ
بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي:
أنه إنما لقّب
العرجيّ لأنه كان يسكن عرج [4] الطائف. و قيل: بل سمّي بذلك لماء كان له و مال
عليه بالعرج.
و كان من شعراء
قريش، و من شهر بالغزل منها، و نحا نحو عمر بن أبي ربيعة في ذلك و تشبّه به فأجاد.
و كان مشغوفا باللّهو و الصّيد حريصا عليهما قليل المحاشاة [5] لأحد فيهما. و لم
يكن له نباهة في أهله، و كان أشقر أزرق جميل الوجه. و جيداء التي شبّب بها هي أمّ
محمد بن هشام بن إسماعيل/ المخزوميّ، و كان ينسب بها ليفضح ابنها لا لمحبّة كانت
بينهما؛ فكان ذلك سبب حبس محمد إيّاه و ضربه له، حتى مات في السّجن.
و أخبرني محمد
بن مزيد إجازة عن حمّاد بن إسحاق فذكر أن حمادا حدّثه عن إسحاق عن أبيه عن بعض
شيوخه:
أنّ العرجيّ
كان أزرق كوسجا [6] ناتئ الحنجرة، و كان صاحب غزل و فتوّة [7]، و كان يسكن بمال له
في الطائف يسمّى العرج؛ فقيل له العرجيّ و نسب إلى ماله. و كان من الفرسان
المعدودين مع مسلمة بن عبد الملك بأرض الروم، و كان له معه بلاء حسن و نفقة كثيرة.
[1]
كذا في أ، م، ت، ح. و نفحت به: رمت به و ردّته. و في ب، س: «فنفخت فيه» و معناه
رمته و ردته كما تنفخ الشيء إذا دفعته عنك. قال في «اللسان» (مادة نفخ): و في
الحديث «رأيت كأنه وضع في يديّ سواران من ذهب فأوحى إليّ أن انفخهما» أي ارمهما و
القهما كما تنفخ الشيء إذا دفعته عنك. و إن كانت بالحاء المهملة فهو من نفحت
الشيء إذا رميته أ ه. و في ء: «فتعجبت به».
[2] البدن:
شبه درع إلا أنه قصير قدر ما يكون على الجسد فقط قصير الكمين، و به فسر ثعلب قوله
تعالى: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ
آيَةً).
[3] فرأت
حمراء، كناية عن الحيض. تريد أنها تلد من يفوق أباه.
[4] عرج
الطائف: قرية جامعة في واد من نواحي الطائف و هي أوّل تهامة، و بينها و بين
المدينة ثمانية و سبعون ميلا، و هي في بلاد هذيل.