فقال ابن أبي
عتيق: كلّ مملوك لي حرّ إن بلّغها ذاك غيري. فخرج، حتى إذا كان بالمصلّى مرّ بنصيب
و هو واقف فقال: يا أبا محجن. قال لبّيك! قال: أ تودع إلى سلمى [1] شيئا؟ قال:
نعم. قال: و ما ذاك؟ قال: تقول لها يا ابن الصّدّيق: إنك مررت بي فقلت لي أ تودع
إليها شيئا، فقلت:
أ تصبر عن سلمى و أنت صبور
و أنت بحسن العزم منك جدير
و كدت و لم أخلق من الطير إن بدا
سنى بارق نحو الحجاز أطير
قال: فمرّ
بسلمى و هي في قرية يقال لها «القسريّة [2]»، فأبلغها الرّسالة، فزفرت زفرة كادت
أن تفرّق [3] أضلاعها. فقال ابن أبي عتيق: كلّ مملوك لي حرّ إن لم يكن جوابك أحسن
من رسالته، و لو سمعك الآن لنعق و صار غرابا. ثم مضى إلى الثريّا فأبلغ الكتاب.
فقالت له: أ ما وجد رسولا أصغر منك! انزل فأرح [4]. فقال: لست/ إذا برسول! و سألها
أن ترضى عنه، ففعلت. و قال الزّبير في خبره: فقال لها: أنا رسول ابن أبي ربيعة
إليك، و أنشدها الأبيات، و قال لها: خشيت أن تضيع هذه الرسالة. قالت: أدّى اللّه
عنك [5] أمانتك. قال: فما جواب ما تجشّمته إليك؟ قالت: تنشده قوله في رملة:
فقال: أعيذك
باللّه يا ابنة أخي أن تغلبيني بالمثل السائر. قالت: و ما هو؟ قال: «حريص لا يرى
عمله [7]».
قالت: فما
تشاء؟ قال: تكتبين إليه بالرضا عنه كتابا يصل على يدي، ففعلت. فأخذ الكتاب و رجع
من فوره حتى قدم مكة، فأتى عمر. فقال له: من أين أقبلت؟ قال: من حيث أرسلتني. قال:
و أنّى ذلك؟ قال: من عند الثريّا،
[1]
سيأتي في أخبار نصيب ص 364 من هذا الجزء هذا الخبر بنص قريب من هذا و أن اسمها
«سعدى»، و أن الشعر
أ تصبر عن سعدى و أنت صبور
البيتين.
[2] في أ، م،
ء: «القشيرية» و لم نعثر عليهما في «ياقوت» و «البكري». على أن قسرا بطن من قيس، و
قيسا بطن من بجيلة ينسب إليها خالد بن عبد اللّه القسري. و القشيرية: نسبة إلى
قشير و هو أبو قبيلة من هوازن، ينسب إليه أبو الحسن مسلم بن الحجاج بن مسلم
القشيري أحد أئمة الحديث، و صحيحه معروف مشهور.
فإن كانت هذه
الرواية صحيحة فالمراد من البركة نوع من برود اليمن، كما في «شرح القاموس» (مادة
«برك»)؛ قال مالك بن الريب:
إنا وجدنا طرد الهوامل
بين الرّسيسين و بين عاقل
و المشي في البركة و المراجل
خيرا من التأنان في المسائل
و في
«اللسان» مادتي «أنن» و «همل»: «و المسائل». و الجنديّ: نسبة إلى الجند و هو أحد
مخاليف اليمن. و في أ، م، ء: «و جلا بردها بركة جندي» و هو تحريف.
[7] قد يراد
به ما يراد بالمثل الوارد في الميداني و هو: «الحريص محروم» أو «الحرص قائد
الحرمان». يريد أن يقول لها: إنه لا يريد أن يحرم نتيجة عمله كما يحرم الحريص
عادة.