لي: لو لا و شك الرّحيل، و خوف الفوت، و محبّتي لمناجاتك و الاستكثار
من محادثتك، لأقصيتك، هات الآن كلّمني و حدّثني و أنشدني.
/ فكلّمت آدب
الناس و أعلمهم بكلّ شيء. ثم نهضت و أبطأت العجوز و خلا لي البيت، فأخذت أنظر،
فإذا أنا بتور [1] فيه خلوق [2]، فأدخلت يدي فيه ثم خبأتها في ردني [3]. و جاءت
تلك العجوز فشدّت عينيّ و نهضت بي تقودني، حتى إذا صرت على باب المضرب أخرجت يدي
فضربت بها على المضرب، ثم صرت إلى مضربي، فدعوت غلماني فقلت: أيّكم يقفني على باب
مضرب عليه خلوق كأنه أثر كفّ فهو حرّ و له خمسمائة درهم [4].
فلم ألبث أن
جاء بعضهم فقال: قم. فنهضت معه،/ فإذا أنا بالكفّ طريّة، و إذا المضرب مضرب فاطمة
بنت عبد الملك بن مروان. فأخذت في أهبة الرّحيل، فلمّا نفرت نفرت معها، فبصرت في
طريقها بقباب و مضرب و هيئة جميلة، فسألت عن ذلك، فقيل لها: هذا عمر بن أبي ربيعة،
فساءها أمره و قالت للعجوز التي كانت ترسلها إليه: قولي له نشدتك اللّه و الرّحم
أن تصحبني [5]، ويحك! ما شأنك و ما الذي تريد؟ انصرف و لا تفضحني و تشيط [6] بدمك
[7]. فسارت العجوز إليه فأدّت إليه ما قالت لها فاطمة. فقال: لست بمنصرف أو توجّه
إليّ بقميصها الذي يلي/ جلدها، فأخبرتها ففعلت وجّهت إليه بقميص من ثيابها، فزاده
ذلك شغفا. و لم يزل يتبعهم لا يخالطهم [8]، حتى إذا صاروا على أميال من دمشق انصرف
و قال في ذلك:
[5] كذا في
ت. تريد: ألا تصحبني. (و انظر الحاشية رقم 1 صفحة 167). و في سائر النسخ: «أن
فضحتني».
[6] هذه
الواو ينصب بعدها الفعل، و الشرط فيها أن يتقدّم الواو نفي أو طلب كقوله تعالى: وَ لَمَّا
يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصَّابِرِينَ، و كقول
الشاعر:
لا تنه عن خلق و تأتي مثله
و سمّى
الكوفيون هذه الواو واو الصرف؛ و ذلك لأنها لا يستقيم عطف ما بعدها على ما قبلها.
(انظر «المغنى» طبع مصر ج 2 ص 35 و «اللسان» مادة «وا»).
[7] أشاط دمه
و بدمه: أهدره و عرّض نفسه «القتل». و ف ب، س: «و انشط بدمك» أي فز به مسرعا و لا
تهدره.
[11] هذه
اللام يجوز فيها الفتح على أنها داخلة على المتعجب منه، و الكسر على أنها داخلة
على المستغاث من أجله و المستغاث محذوف؛ كأنه قال: يا للناس لحوادث الدهر.