ذلك الواحد إلى غير النهاية، و ذلك الواحد باعتبار آخر معلول، و
علّته أيضا معلولة. و يرتقى في سلسلة العلل سلسلة معلولات مبتدأة من ذلك الواحد
مرتقية إلى غير النهاية، فيحصل لنا من تلك الآحاد سلسلتان مبتدئتان من واحد بعينه
و غير منتهيتين في الارتقاء، لكن سلسلة العلل يجب أن تكون أكثر من سلسلة المعلولات
بواحد في جانب الارتقاء، فيلزم الزيادة و النقصان في الجانب الّذي لا ينتهيان فيه،
و هو محال. فاذن يمتنع ارتفاعهما الى غير النهاية، فاذن هما متناهيان.
فالتسلسل محال. و إذا ثبت امتناع الدور و التسلسل امتنع كون جميع
الموجودات ممكنا، و قد ثبت أنّ الواجب لا يكون إلّا واحدا. فاذن في الموجودات واجب
وجود هو واحد من جميع الوجوه، و هو المبدأ الأوّل الّذي لا مبدأ له.
و صدور الموجودات عنه لا يمكن أن يكون حال وجودها، فاذن هو حال لا
وجودها. فاذن ما سواه يوجد بعد أن لا يكون موجودا. و كلّ ما هو كذلك فهو محدث.
فاذن كلّ ما سوى الواجب الواحد محدث، سواء كان جوهرا او عرضا و ذا مادّة او مفارقا
للمادّة. و يجب أن يصحّ صدور الموجودات عنه، و إلّا لما كان موجودا، فاذن هو قادر.
و يكون الموجودات الصادرة عنه على نظام و ترتيب يشهد بذلك علم الهيئة و التشريح و
غيرهما اضطرّ العقل إلى الحكم بكونه عالما.
و صحة القادريّة و العالميّة يستدعى اتصافه بكونه حيّا. و لا يجوز أن
تكون هذه الصفات متغايرة و مغايرة لذاته التى هى الوجود القائم بذاته، لامتناع
التكثّر فيه.
ثمّ إنّه يمكن أن يوصف: بصفات اعتباريّة بحسب اعتبارات العقول و
صفات اضافيّة بحسب اضافة كلّ واحد من الموجودات الصادرة عنه إليه و صفات سلبيّة
بحسب سلب كلّ شيء ممّا عداه عنه. و أمكن أن يكون له بحسب كلّ صفة اسم كان له أسماء
حسنى كثيرة. لكن لا يستعمل منها إلّا ما يليق بجلاله و تنزّهه.
فهذا ما أردنا إيراده في إثبات الواحد الحقيقى الّذي هو المبدأ
الأوّل لجميع الموجودات، تعالى جدّه و تقدست ذاته و صفاته.