اجيب: عن الاول، أنّ العلم بذلك لا يستفاد من الدليل، بل يحصل بسبب
كثرة تسامع التواريخ و السير و ممارسة علوم اختلاف الأهواء و الملل. و القاضي في
تميز العلم عن غيره هو العقل. و إذا جزم على أمر تواترت أماراته كان ذلك علما، و
لا يلتفت الى الاحتمالات الدافعة لذلك، كما لا يلتفت الى الاحتمالات الدافعة
للمحسوسات. و ذلك ما نقول به في العلوم الحاصلة عن طريق التواتر و التجربة. و لا
شك أنّ العقل جازم مثلا على عدم إمام يدعى به بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و
سلّم غير على و أبى بكر و العباس، فكذا في سائر الأزمنة. فلا يندفع هذا العلم
بالاحتمال المذكور. و عن الثانى أنّ العلم بوجود الامام المعصوم يدلّ على تعيينه
و ذلك ليس بمستنكر. و عن الثالث أنّهم خارجون عن الملة بادّعائهم قدم الأجسام و
غيرها من الخرافات و لا ينفون إخلال الواجبات و ارتكاب المقبّحات عن الامام بأنّه
لا يختاره، بل يقولون: كلّ ما يفعله الامام طاعة، و إن كان كذبا او ظلما او شرب
خمر أو زنا. فلظهور بطلان قولهم لم نعدّه في سائر الأقوال.
فصل ثالث
و أمّا غيبة الامام الثانى عشر و طول مدّته، فليس بمستبعد، عند من
اعتقد أنّ اللّه قادر عالم، و إذا ثبت وجوبه بالدليل، فلذلك هو الحق. و يعارض
المستبعد من المسلمين بما ذهبوا إليه من القول بطول المدّة و الغيبة في الخضر و
الياس عليهما السّلام من الأنبياء و الدّجال و السامرىّ من الأشقياء. و يقال: إذا
جاز في الطرفين ذلك، فلم لا يجوز في في الواسطة مثله، اى في الأولياء. و أمّا سبب
غيبته، فلا يجوز أن يكون من اللّه سبحانه، و لا منه، كما عرفت، فيكون من المكلفين،
و هو الخوف الغالب و عدم التمكين. و الظهور يجب عند زوال السبب.
و اذ قد و فينا بما وعدنا فلنقطع الكلام، حامدين للّه تعالى على
آلائه، مصلين على محمّد سيد أنبيائه، مسلمين على خيرة أوليائه و أصفيائه، داعين
لجميع المؤمنين و المؤمنات، ملتمسين من الناظر فيه اصلاح خلل وقع نظره عليه،
مستغفرين عن جميع ما كره اللّه.