النفس عن مبدئها القديم. فالبدن الحادث الّذي يتعلّق به نفس على
سبيل التناسخ لا بدّ و أن يستعدّ لقبول نفس اخرى ابتداء، فيجتمع النفسان على بدن
واحد. و هو محال، لأنّ كلّ واحد يجد ذاته شيئا، لا شيئين.
الاعتراض: هذه الحجّة مبنيّة على حدوث النفس، و دليلكم في حدوث
النفس مبنىّ على فساد التناسخ، على ما لاح الحال فيه، فيكون دورا. سلّمنا أنّه لا
دور، لكن لم لا يجوز أن يقال: النفوس مختلفة بالماهيّة، فالبدن المستعدّ لواحدة
منها لا يكون مستعدّا لغيرها. سلّمنا التساوى، لكن لا بدّ من التباين في الهويّة،
و ما به التباين غير مشترك فيه. فلم يلزم من كون البدن المخصوص مستعدّا للنفس
الموصوفة بهذه الخاصيّة كونه مستعدا للأخرى، سلّمنا حصول المساواة. فلم لا يجوز
تعلّق النفسين بالبدن. قوله: «لأنّكلّ احد يجد نفسه شيئا واحدا»، قلنا:
الّذي يدرك نفسى هو نفسى. و كلّ نفس تجد نفسها نفسا واحدة لا غير،
فلم يلزم محذور.
أقول: الدور غير لازم على ما تبيّن، و اختلاف النفوس بالماهيّة باطل، لما
مرّ. و التباين في الهويّة إنّما يحصل من جهة البدن. و إذا كان البدن مستعدّا
للنفس المستنسخ و للنفس الحادث، تعلّقا معا به. و إن لم يكن مستعدّا لهما بطل
التناسخ. و تعلّق نفسين ببدن، يوجب اختلاف أحواله بأن يحصل فيه المتقابلان معا،
كالنوم و اليقظة، و الحركة و السكون، و ذلك محال بالبديهة.
قال: و ثانيها:لو كانت هويّتنا موجودة قبل بدننا في بدن آخر لتذكّرنا تلك الحالة.
الاعتراض: لم يجوز أن يكون تذكّر أحوال كلّ بدن موقوفا على التعلّق بذلك البدن.
و ثالثها:أنّه لو صحّ التناسخ لكان إمّا أن يكون واجبا، فيلزم أن يكون عدد
الهالكين مثل عدد المحدثين او جائزا، و هو محال، لأنّه يلزم بقاء النفس معطّلة
فيما بين التعلّقين. و ضعف هذه الحجّة لا يخفى.