من المسلمين، و عدم إجابة دعوات أهل الحقّ، و إجابتها لأهل الباطل،
فليس ممّا يضرّ بامور الدين. و نقائضها لا ينفع فيها. و قوله «تجويز الشيء لا ينافي القطع
بعدمه»، فكما قاله إذا لم يكن العدم واجبا.
و أمّا فوائد البعثة التي عدّها فنقول: ضرورة وجود الأنبياء لتكميل
الاشخاص بالعقائد الحقّة و الأخلاق الفاضلة و الافعال المحمودة النافعة لهم في
عاجلهم و آجلهم و تكميل النوع باجتماعهم على الخير و الفضيلة، و تساعدهم في الامور
الدينيّة و سياسة الخارجين عن جادّة الخير و الصلاح، و باقى الوجوه الّتي عدّها،
فلبعضها زيادة في المنفعة و بعضها ممّا لا فائدة في إيراده، فانّ الأنبياء عليهم
السّلام لم يعلّمونا الطبّ و لا طبائع الحشائش و لا طبائع درجات الفلك و لا رصد
عطارد، و لا أكثر الصناعات.
طريقة الحكماء في اثبات النبوة
و أمّا الوجه السادس فمأخوذ من الحكماء، فطريقتهم في إثبات النبوّة
أنّهم يقولون: الانسان مدنيّ بالطبع. يعنون به أنّ الشخص الواحد لا يمكنه أن يحصّل
أسباب معاشه وحده، فانّه يحتاج إلى تحصيل الغذاء الموافق، و اللباس الذي يحفظه من
الحرّ و البرد، و المساكن الموافقة في الفصول المختلفة، و الأسلحة التي يتحفظ بها
من السباع و الأعداء، و كلّ ذلك غير حاصل في أصل الوجود، بل كلّها ممّا يحصل
بالصناعات. و الانسان الواحد لا يمكنه القيام بها جميعا، بل هو مضطرّ إلى معاونة
بنى جنسه في ذلك، حتّى يقوم كلّ واحد لشيء من ذلك و يحصل بالتعاون جميع ذلك
فيمكنهم التعيّش، و هذا معنى التمدّن.
و لا بدّ فيما بينهم من معاملات و معاوضات. و إذا كانوا مجبولين على
الشهوة و الغضب فلا بدّ من قانون بينهم مبنيّ على العدل و الانصاف حتّى لا يحيف
بعضهم على بعض. و لا يجوز أن يكون ذلك القانون من تلقاء بعضهم من غير خصوصيّة في
ذلك البعض، و إلّا لما قبله الباقون و تلك الخصوصيّة يجب أن تكون من عند خالقهم
حتّى ينقادوا لذلك. فالآتى بها هو النبيّ و لا بدّ له من أمر يختصّ