الثالث:أنّ الكذب يحسن إذا تضمّن تخليص نبىّ من ظالم. لا يقال: الحسن هناك
التعريض (التورية ظ) لا الكذب، او نقول الكذبيّة تقتضى القبح لكنّه قد يتخلف الأثر
عن المقتضى لمانع. لأنّا نجيب عن الأوّل: بأنّه على هذا التقدير لا يبقى كذب في
العالم، لانه لا كذب الّا و متى اضمر فيه شيء صار صدقا. و عن الثانى أنّه حينئذ
لا يمكننا القطع بقبح شيء من الكذب، لاحتمال أن يتخلّف الحكم هناك لقيام مانع لا
يطّلع عليه أحد.
احتجّوا: بأنّ العلم الضرورىّ حاصل بقبح الظلم و الكذب و حسن
الانعام، و لا يجوز إسناده الى الشرع لحصوله ممّن لا يقول بالشرع. و الجواب: إن
أردت به العلم الضرورىّ بحصول الملائمة و المنافرة الطبيعيّة فذاك ممّا لا ناباه،
و إن أردت به غيره فممنوع.
أقول: قوله «لو كان قبيحا لما فعله اللّه» مبنىّ على أنّ اللّه تعالى لا يفعل القبيح
و هو حكم غير متّفق عليه في المعنى، لأنّ القائل بان «لا مؤثّر إلّا اللّه» يقول:
لو كان بعض آثاره قبيحا لفعله، لكنّه لا يفعل القبيح، لامتناع وجود القبح منه و
خصمه يقول: القبيح موجود لكنّه من غير اللّه، فالاتّفاق على الحكم المذكور لفظىّ
لا معنوىّ. و الحقّ عندنا فيه أنّ ذلك لو كان قبيحا و موجودا لفعله، إذ لا موجود
غيره تعالى إلّا و هو موجده، سواء كان حسنا او قبيحا.
و يقول المعتزلىّ، على دليله الأوّل: لو كان علم اللّه السابق منافيا
للاختيار لكان اللّه غير مختار، لكنّ العلم بكونه تابعا للمعلوم غير مقتض لوجوب
المعلوم من دون المؤثّر الموجب إياه.
و على الدليل الثانى: إنّ تكليف أبى لهب إنّما كان من حيث كونه
مختارا، و الاخبار عنه بانّه لا يؤمن من حيث العلم، و العلم لا ينافي الاختيار.
قوله: «و أمّا أنّه لا يقبح من اللّه فمتّفق عليه» فله أن يقول: ليس ذلك
بمتّفق عليه من حيث المعنى.
و أمّا وجوب الفعل مع وجوب الداعي و امتناعه مع عدمه فقد مرّ فيه أنّ
ذلك لا ينافي