انّ تعلّق هذه الصفة بذات اللّه تعالى جائز. هذا هو البحث في محلّ
النزاع. و المعتمد انّ الوجود في الشاهد علّة لصحّة الرؤية فيجب ان يكون في الغائب
كذلك. و هذه الدلالة ضعيفة من وجوه:
احدها:انّ وجود اللّه تعالى عين ذاته، و ذاته مخالفة لغيره، فيكون وجوده
مخالفا لوجود غيره، فلم يلزم من كون وجودنا علّة لصحة الرؤية كون وجوده، كذلك.
سلّمنا انّ وجودنا يساوي وجود اللّه تعالى، في مجرّد كونه وجودا، و لكن لا نسلّم
انّ صحّة الرؤية في الشاهد مفتقرة الى العلّة. فانّا قد بيّنا انّ الصحّة ليست
امرا ثبوتيّا، فتكون عدميّة. و قد عرفنا انّ العدم لا يعلّل. سلّمنا انّ صحّة
رؤيتنا معلّلة، فلم قلت: انّ العلّة هي الوجود. قالوا: لأنّا نرى الجوهر و اللون و
هما قد يشتركان في صحّة الرؤية، و الحكم المشترك لا بدّ له من علّة مشتركة.
و لا مشترك الّا الوجود او الحدوث. و الحدوث لا يصلح للعليّة،
لانّه عبارة عن وجود مسبوق بالعدم [و العدم نفى محض] و العدم السابق لا مدخل له
في التأثير، فيبقى المستقلّ بالتأثير محض الوجود. فنقول: لا نسلّم انّ الجوهر
مرئيّ على ما تقدّم. سلّمنا. لكن لا نسلّم انّ صحّة كون الجوهر مرئيّا يساوى صحّة
كون اللون مرئيّا. فلم لا يجوز ان يقال: الصحّتان نوعان تحت جنس الصحّة. تحقيقه
انّ صحّة كون الجوهر مرئيّا يستحيل حصولها في اللون، لانّ اللون يستحيل ان يرى
جوهرا، و الجوهر يستحيل ان يرى لونا. و هذا يدلّ على اختلاف هاتين الصحّتين في الماهيّة.
سلّمنا الاشتراك في الحكم. فلم قلت: إنّه يلزم من الاشتراك في الحكم الاشتراك في
العلّة. بيانه ما تقدّم من جواز تعليل الحكمين المتماثلين بعلّتين مختلفتين سلّمنا
وجود الاشتراك، فلم قلت: انّه لا مشترك سوى الحدوث و الوجود، و عليكم الدلالة، ثمّ
نحن نذكرها و هو الامكان. و لا شكّ انّ الامكان يغاير الحدوث.
فان قلت: الامكان عدميّ، قلت: فامكان الرؤية أيضا عدميّ، و لا
استبعاد في تعليل عدميّ بعدميّ. سلّمنا أنّه لا مشترك سوى الحدوث و الوجود، فلم
قلت: أنّ