على علم الفاعل، فانّ فعل الساهى و النائم قد يستحسن من بعض
الوجوه.
و إن أردتم بالإحكام و الإتقان معنى ثالثا فاذكروه، لنتكلّم عليه.
فان نزلنا عن الاستفسار فلم قلت: إنّ فعل المحكم يدل على علم
الفاعل، و بيانه من وجوه:
أحدها: أنّ الجاهل قد يتّفق منه الفعل المحكم نادرا. و اتّفق
العقلاء على أنّ حكم الشيء حكم مثله. فلما جاز ذلك مرة واحدة جاز أيضا مرتين و
ثلاثا و أربعا.
و ثانيها: أنّ فعل النّحلة في غاية الإحكام، و هو بناء البيوت
المسدّسة مع كثرة ما فيها من الحكم التى لا يعرفها إلّا المهندسون، و كذا العنكبوت
تبنى بيتها في غاية الإحكام. و كذلك نرى كلّ واحد من الحيوانات تأتى بالأفعال
الموافقة لها بحيث يعجز عن تحصيلها أكثر الأذكياء. مع أنّه ليس لشيء منها علم و
لا حكمة.
و لئن سلّمنا أنّ ما ذكرته يدلّ على كونه تعالى عالما، لكنّه معارض
بأمرين:
الأوّل: أنّ كونه عالما بالشيء نسبة بينه و بين ذلك الشيء [فتلك
النسبة غير ذاته لا محالة. و الموصوف بها و المقتضى لها هو ذاته تعالى] فالواحد
يكون قابلا فاعلا معا. و هو محال. أمّا أوّلا فلأنّ البسيط لا يصدر عنه إلّا أثر
واحد، و أمّا ثانيا فانّ نسبة القبول بالامكان، و نسبة التّأثير بالوجوب. و النسبة
الواحدة لا تكون بالامكان و الوجوب معا.
الثانى: أنّ العلم إن لم يكن صفة كمال وجب تنزيه اللّه تعالى عنه،
و إن كان صفة كمال كان اللّه تعالى محتاجا في استفادة الكمال إلى تلك الصّفة، و
الكامل بغيره ناقص بذاته، و المحتاج إلى الغير ناقص أيضا لذاته، و ذلك على اللّه
تعالى محال.
جواب الاشكالات على ان اللّه تعالى عالم
و الجواب، أمّا الكلام في الواسطة فقد تقدّم. و أمّا الإحكام
فالمراد منه الترتيب العجيب و التأليف اللطيف، و لا يشكّ أنّ العالم كذلك. قوله: «لواجاز صدور الفعل
المحكم عن الجاهل مرّة واحدة فليجوّز مرارا كثيرة»، قلنا: