فعدم تلك الحرارة يقتضي أمرا غير ملائم فيها فيحسّ به. و لم يقل أحد:
إنّ عدم الحرارة هو الجسم، حتّى يكون الاحساس بالجسم احساسا بالبرودة، و الحقّ أنّ
البرودة كيفيّة ضدّ الحرارة، فانّ مقتضياتها، كالتّكاثف و الثقل و أمثالهما، ضدّ
مقتضيات الحرارة، كالتخلخل و الخفّة و أمثالهما.
و الفلاسفة لم يقولوا: إنّ الرطوبة لا ممانعة، بل قالوا: إنّها
كيفيّة تقتضى سهولة قبول الأشكال لموضوعها. و اليبوسة كيفيّة تقتضى عسر قبول
الاشكال لموضوعها. و الثقل و الخفّة لم يذهب أحد إلى أنّهما ليسا بزائدين على
الحركة، بل هما عرضان يسمّيهما المتكلّمون اعتمادا و الحكماء ميلا.
و قوله: «اللين عدم ممانعة الغامز» و «الرطوبة عند الفلاسفة عبارة عن اللاممانعة» يقتضي أن يكون اللين و الرّطوبة
عند الفلاسفة شيئا واحدا. و ليس كذلك بل اللين كيفيّة تقتضى عدم ممانعة مع عسر
تفرّق الأجزاء. و الملاسة و الخشونة لو كانتا من باب الوضع لما عدّتا في الكيفيّات،
و يمكن أن يكون الوضع مبدأهما.
قال:
مسألة هذه المحسوسات قد تبقى بعد مفارقة محالها قائمة بأنفسها
من القدماء من زعم أنّ هذه المحسوسات قد تبقى بعد مفارقة محالّها
قائمة بأنفسها، و إبطالها بابطال انتقال الأعراض.
أقول: إنّ هذا الشكّ إنّما حصل لهم من الضّوء و الرائحة و أمثالهما فانّهم
لمّا رأوا الضوء كأنّه ينتقل من ذى الضوء إلى قابله، و الرائحة تنتقل من ذى
الرائحة إلى الحاسّة، حسبوا أنّها تبقى بعد مفارقة محالّها.
الاكوان الاربعة من الاعراض التى يجوزان يتصف بها غير الحى
قال:أمّا الأكوان، فقد اتفقوا على أنّ حصول الجوهر في الحيّز أمر
ثبوتيّ.
فقيل: هذا الحيّز إن كان معدوما فكيف يعقل حصول الجوهر في المعدوم،
و إن كان