غدا، كذلك نعلم بالضّرورة أنّ اللّه تعالى كان موجودا بالأمس و
أنّه موجود الآن، و سيبقى غدا. و إن جاز إنكار أحدهما جاز إنكار الآخر، لكن يستحيل
أن يكون مقدارا لمطلق الوجود لأنّه في نفسه إن كان متغيّرا استحال انطباقه على
الثابت، و إن كان ثابتا استحال انطباقه على المتغيّر.
أقول: القول بأنّ الزمان مقدار الوجود قول الشيخ أبى البركات، فانّه يقول: «الباقى لا يتصوّر بقاؤه إلّا في
زمان مستمرّ، و ما لا يكون في الزمان و يكون باقيا لا بدّ و أن يكون لبقائه مقدار
من الزمان، فالزّمان مقدار الوجود».
و المتكلّمون حيث قالوا: «القديم موجود في أزمنة مقدّرة لا نهاية لأوّلها»، فقد حكموا بصحّة انطباق
الثابت على المتغيّر، و لم يقتض ذلك محالا.
قال:فان قلت: نسبة المتغيّر الى المتغيّر هو الزمان، و نسبة المتغيّر
إلى الثابت هو الدهر، و نسبة الثابت الى الثابت هو السرمد. قلت: هذا التهويل خال
عن التحصيل، لأنّى قد دللت على أنّ مفهوم «كان» و «يكون» لو كان أمرا
موجودا في الأعيان، لكان أمّا أن يكون قارّ الذات، فيلزم أن لا يوجد في
المتغيّرات، و ان لم يكن ثابتا استحال وجوده في غير المتغيّرات. و هذا التقسيم لا
يندفع بالعبارات.
أقول: لا شكّ في أنّ وقوع الحركة مع الزمان ليس كوقوع الجسم القار الذات
المستمرّ الوجود مع الزمان، و ليس كوقوع القارّ الذات الباقى مع القارّ الذات
الباقى، كالسّماء مع الأرض. و ذلك الفرق معقول محصّل، سواء كان ذلك تهويلا او غير
تهويل. و ليس معيّة المتغيّر و الثابت مستحيلا، فأنّا نقول:
نوح عليه السّلام عاش ألف سنة، فانطبق مدّة بقائه على ألف دورة من
الشمس. و اذا تقرّر اختلاف المعانى، فللمصطلحين أن يعبّروا عن كلّ معنى بعبارة
يرون أنّها مناسبة لذلك المعنى. و لا يعنون ب «التحصيل» هناك غير دلالة العبارات
على المعانى.
قال: و خامسهاو هو في ابطال قول أرسطاطاليس خاصّة: انّ الزمان مقدار