اعلم أنّا لا نشكّ في كون الأحكام اليقينيّة التى يحكم بها أذهاننا
مثلا- كالحكم بأنّ الواحد نصف الاثنين، او بأنّ قطر المربّع لا يشارك ضلعه، او
يحكم به ممّا لم يسبقه إليه ذهن أصلا بعد أن يكون يقينيّا- مطابقة لما في نفس
الأمر.
و لا نشكّ في أنّ الأحكام الّتي يعتقدها الجهّال بخلاف ذلك- كما لو
اعتقد معتقد أنّ القطر يشارك الضلع او غير ذلك- غير مطابقة لما في نفس الأمر.
و نعلم يقينا أنّ المطابقة لا يمكن أن يتصوّر إلّا بين شيئين
متغايرين بالتشخص و متّحدين فيما يقع به المطابقة، و لا شكّ في أنّ الصنفين
المذكورين من الأحكام متشاركان في الثبوت الذهنى، فاذن يجب أن يكون للصنف الأوّل
منهما دون الثانى ثبوت خارج عن اذهاننا يعتبر المطابقة بين ما في أذهاننا و بينه،
و هو الّذي يعبّر عنه بما في نفس الأمر.
فنقول: ذلك الثابت الخارج إمّا أن يكون قائما بنفسه او متمثّلا في
غيره، و القائم بنفسه يكون امّا ذا وضع او غير ذى وضع.
و الأوّل محال. أمّا أوّلا، فلانّ تلك الأحكام غير متعلّقة بجهة
معيّنة من جهات العالم و الأشخاص، و لا بزمان معيّن من الأزمنة. و كلّ ذى وضع
متعلّق بها، فلا شيء من تلك الأحكام بذى وضع.
لا يقال: إنّها تطابق ذوات الأوضاع لا من حيث هى ذوات أوضاع، بل من
حيث هى معقولات، ثمّ إنّها تفارق الأوضاع من حيثيّة اخرى، كما يقال في الصور
المرتسمة في الأذهان الجزئيّة إنّها كليّة باعتبار و جزئيّة باعتبار آخر.