و الإرادة الجازمة و الشوق و حركة العضلات، و
لمّا استحال عليه تعالى الظنّ و الوهم، و كان الميل الزائد و الشوق من القوى
الحيوانيّة لم يبق في حقّه سوى العلم، فتكون إرادته هي علمه بأنّ في الإيجاد أو
الترك مصلحة. هذا عند المحقّقين.
و استدلّوا على ثبوت الإرادة له بهذا المعنى
بأنّه تعالى خصّص أفعاله بوقت دون آخر، و بصفة دون أخرى مع تساوي الأوقات و
الأحوال بالنسبة إليه و إلى القابل. فذلك المخصّص ليس القدرة الذاتيّة لتساوي
نسبتها إلى الطرفين، و لا العلم المطلق لكونه تابعا للوقوع، و لا غير ذلك من
الصفات، و هو ظاهر. فلم يبق إلّا العلم الخاصّ باشتمال ذلك الفعل على المصلحة، و
هو المطلوب.
و أثبتت الأشاعرة له تعالى صفة قديمة مغايرة
للعلم قائمة بذاته تعالى. و يبطله استحالة قديم سواه، و استحالة صفة زائدة له على
ذاته.
و قالت المعتزلة: إنّه مريد بإرادة
محدثة لا في محلّ[1]. و يبطل ذلك باستحالة عرض لا في محلّ ضرورة، و باستلزام
التسلسل إذ كلّ حادث يستدعي سبقيّة إرادة فاعله المختار.
الثانية: كونه تعالى مدركا لقوله تعالى: لا
تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ
الْخَبِيرُ[2].
تمدّح بكونه مدركا فيجب إثباته له.
الثالثة: كونه سميعا.
الرابعة: كونه بصيرا لقوله
تعالى: وَ كانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً[3].
إذا عرفت هذا فنقول: لا شكّ أنّ المراد بالإدراك
في الاصطلاح العلميّ، هو اطّلاع الحيوان على الامور الخارجيّة بواسطة الحواسّ. و
أنواعه خمسة: السّمع و البصر، و الشّمّ،
[1]اتّفق المسلمون على أنّه تعالى مريد،
لكنّهم اختلفوا في معناه. فأبو الحسين جعله نفس الداعي، على معنى أنّ علمه تعالى
بما في الفعل من المصلحة الداعية إلى الإيجاد هو المخصّص. و ذهبت الأشعريّة إلى
إثبات أمر زائد على ذاته قديم، هو الإرادة. و قال أبو علي و أبو هاشم من المعتزلة:
إنّ إرادته حادثة لا في محلّ. كشف المراد: 223.