أقول: النقض في اصطلاح المناظرين يقال على
معنيين: إجماليّ و تفصيليّ.
فالإجماليّ هو تخلّف الحكم المدّعى ثبوته نفيا
او إثباتا عن دليل المعلّل. و التفصيليّ هو منع مقدّمة من مقدّمات الدليل. و يقال
مجازا على مطلق المنع الخالي عن السند. و يمكن حمل كلام المصنّف على كلّ واحد منها
كما يجيء.
إذا عرفت هذا فنقول: قالت الفلاسفة: البارئ
تعالى واحد حقّا من جميع الجهات و الاعتبارات، و كلّ واحد حقّا لا يصدر عنه إلّا
واحد فالبارئ لا يصدر عنه إلّا واحد، و ذلك الواحد هو العقل، فالصادر عن البارئ
بلا واسطة ليس إلّا العقل.
فهنا دعويان:
الأولى: أنّه واحد حقّا، و هذا
تقدّم بيانه. و أنّ كلّ واحد حقّا لا يصدر عنه أكثر من واحد. و لهم على هذه الدعوى
شبه، أشهرها و أمتنها هو أنّ الواحد حقّا لو صدر عنه أكثر من واحد لكان لكلّ
مصدريّة تغاير مصدريّة الآخر، بدليل تصوّر إحداهما حال الغفلة عن الاخرى، و
المصدريّتان ثبوتيّتان (لأنّهما نقيضتان للا مصدريّة العدميّ)[2] و نقيض
العدميّ ثبوتيّ. فالمصدريّتان إن دخلتا أو إحداهما في ماهيّة ذلك الواحد لزم
التركيب فيه، و هو خلاف الفرض، و إن خرجتا أو إحداهما لزم التسلسل: لأنّ ذلك
الخارج معلول أيضا، فننقل الكلام إليه و يلزم ما قلناه.
و الجواب بالنقض إجمالا بالصدور الواحد، فإنّه
أمر ثبوتيّ يلزم من دخوله التركيب و من خروجه التسلسل. و تفصيلا بمنع لزوم التسلسل
على تقدير الخروج، فإنّ المصدريّة من الامور الاعتباريّة التي لا وجود لها خارجا
لأنّها من قبيل الإضافات.
و هي ليست بمتحقّقة خارجا عندنا و إلّا لزم
التسلسل، فحينئذ نختار أنّ المصدريّة خارجة و لا يلزم التسلسل لعدم احتياج ذلك
الأمر الاعتباريّ إلى علّة.
[1]و اعلم أنّ أكثر الفلاسفة ذهبوا إلى أنّ
المعلول الأوّل، و هو العقل الأوّل، و هو موجود مجرّد عن الأجسام و المواد في ذاته
و تأثيره معا. ثمّ إنّ ذلك العقل يصدر عنه عقل و فلك لتكثّره باعتبار كثرة جهاته
الحاصلة من ذاته و من فاعله. ثمّ يصدر من العقل الثاني عقل ثالث و فلك ثان، و هكذا
إلى أن ينتهي إلى العقل الآخر و هو المسمّى بالعقل الفعّال. كشف المراد: 131.
[2]ما بين القوسين في «خ» «ن»: لأنّهما
نقيضا الّا مصدريّة، العدمي.