محمّد بن الحسن الطوسيّ- قدّس اللّه نفسه و طهّر
رمسه- في وريقات و إن كانت قليلة فهي في الفوائد جليلة، و ألفاظ و إن كانت يسيرة
فهي في العوائد كثيرة، و سمّاها ب «الفصول في الأصول» و لكونها باللغة الفارسيّة
ألف بدرها الافول فلم تبزغ في أكثر الآفاق، و لتراكم سحاب عجمتها لم تطلع شمسها
بالعراق. و لمّا عرج إلى ساحة الغفران و انتقل إلى مقيل الرضوان استمرّت على ذلك
برهة من الزمان، إلى أن اتّفق للمولى المعظّم العلّامة السعيد و الجدّ الحميد ركن
الملّة و الدين محمّد بن علي الجرجانيّ محتدا، و الأسترآباديّ منشأ و مولدا- قدّس
اللّه روحه و نوّر ضريحه- الاستضاءة بأشعّة أنوارها، و العثور على فوائدها و
أسرارها، فكساها من رياش لباس العربيّة ما صارت به شمسها في رائعة النهار، و انجلى
عن بدرها الآفل في منازل السير عائق الاستتار، فعوّل عليها معظم الطلّاب، و رغّب
في تقرير مباحثها جماعة من الأصحاب لكنّها لاشتمالها على مباحث مستغلق على كثير من
الطلّاب بابها، و توجيهات مرتتق على جمّ غفير من العلماء حجابها، دعاني إلى اقتناء
الفضيلة و تحصيل الثواب داعي الشوق و إن كان قد شبّ عمري عن الطوق، فوعدت بعض
الفضلاء الأذكياء الألبّاء العلماء بشرحها، و إن كنت بعيدا عن دخول صرحها:
و أين الثّريّا من يد المتناول؟
و قد قيل في المثل السائر: المرء حرّ ما لم يعد.
فلم يسعني بعد ذلك الاستكفاء و لم يمكنّي عن إنجاز وعده الاستعفاء، فوجّهت ركاب
العزم إلى ذلك المرتقى المنيع «و قد يدرك الظالع[1] شأو[2] الضليع[3]» و شرحتها
شرحا كشف عن وجوه فرائدها نقابها، و رفع عن مرتتق فوائدها حجابها، و ذلّل من حزون
مصاعدها صعابها، و خدمت به عالي مجلس من خصّه اللّه بخصائص الكمال، و حباه بأشرف
عنصر و أكرم آل، و جعله بحيث تتصاعد بتصاعد همّته العليا مراتب آبائه الأكرمين، و
هو المولى السعيد السّيد النقيب الطاهر المرتضى الأعظم، مستخدم أصحاب الفضائل
بفواضل النعم، و مستعبد أرباب المكارم بفائق مزيد الكرم، الذي تسنّم من الشرف
صهوات مصاعده، و استعلى من خصائص المجد على أعلى معاقده، و أحرز بإيالته الشريفة
قواعد الدين، و حفظ بجميل سيرته معاقل المؤمنين، ذاك شرف الإسلام و تاج المسلمين،
بل ملك السّادات و النّقباء
[1]ظلع الرجل: غمز في مشيه، و هو شبيه
بالعرج، و لهذا يقال: هو عرج يسير. المصباح المنير: 385.
[2]الشأو، وزان فلس: الغاية و الأمد.
المصباح المنير: 328.
[3]رجل ضليع: قويّ، أضلع بهذا الأمر إذا
قدر عليه، كأنّه قويت ضلوعه بحمله. المصباح المنير: 363.