باختطاف الطوسيّ و حمله إلى قلعة ألموت. فكان
يعيش عندهم شبه أسير أو سجين. و استدلّوا على ذلك بما كتب في آخر كتابه شرح
الإشارات- و هو الذي ألّفه خلال إقامته في قلاع الإسماعيليّين- قال: رقمت أكثرها
في حال صعب لا يمكن أصعب منها حال، و رسمت أغلبها في مدّة كدورة بال لا يوجد أكدر
منه بال، بل في أزمنة يكون كلّ جزء منها ظرفا لغصّة و عذاب أليم و ندامة و حسرة
عظيم، و أمكنة توقد كلّ آن فيها زبانية نار جحيم، و يصبّ من فوقها حميم.
ما مضى وقت ليس عيني فيه مقطّرا، و لا بالى
مكدّرا، و لم يجئ حين لم يزد ألمي و لم يضاعف همّي و غمّي، نعم ما قال الشاعر
بالفارسيّة:
به گرداگرد
خود چندان كه بينم
بلا انگشترى
و من نگينم
و ما لي في امتداد حياتي زمان ليس مملوءا
بالحوادث المستلزمة للندامة الدائمة و الحسرة الأبديّة. و كان استمرار عيشي أمير
جيوشه غموم، و عساكره هموم. اللّهمّ نجّني من تزاحم أفواج البلاء و تراكم أمواج
العناء بحقّ رسولك المجتبى و وصيّه المرتضى صلّى اللّه عليهما و آلهما، و فرّج
عنّي ما أنا فيه بلا إله إلّا أنت و أنت أرحم الراحمين[1].
و كيف كان فقد مكث الخواجة عند ناصر الدين محتشم
قهستان مدّة، و في خلالها ترجم كتاب «طهارة الأعراق» لابن مسكويه الرازيّ إلى
الفارسيّة، و زاد عليه مطالب جديدة و سمّاه «أخلاق ناصري»، ناسبا
به إلى مضيّفه ناصر الدين. و ألّف هناك أيضا «الرّسالة المعينيّة في
علم الهيئة» منسوبة إلى معين الدين بن ناصر الدين.
و لمّا بلغ علاء الدين محمّد زعيم الإسماعيليّين
نزول الطوسيّ على واليه و عرف مقدار ما يستفيد من معارفه طلبه منه، فأرسله إلى
زعيمه علاء الدين في قلعة «ميموندژ» ب ألموت.
ثمّ انتهت حياة علاء الدين قتلا بيد أحد حجّابه،
فتولّى أمر الإسماعيليّين بعده ابنه الأكبر ركن الدين خورشاه. و ظلّ الخواجة مع
ركن الدين في قلعة ألموت حتّى استسلام ركن الدين للمغول بقيادة هولاكو. و كانت
مدّة إقامته مع الإسماعيليّين ما يقرب من اثنتين و عشرين (22) سنة، و ذلك من سنة
اثنتين و ثلاثين و خمسمائة (532) إلى أربع و خمسين و خمسمائة (554)، و كتب في تلك
الأيّام كتبا و رسائل كثيرة.