ثمّ إنّ العلم الأزلىّ و العلوم السّابقة على الصّور الموجودة فى
الأعيان، الّتي يمثّلون بها، و إن لم تكن عللا موجودة لتلك الصّور فلا شكّ فى
أنّها شرائط يحتاج إليها فى حصول الصور، فلا بدّ من أن تكون متقدّمة، و المتقدّم
لا يكون متأخّرا، من الجهة الّتي هو بها متقدّم.
فإذن العلوم بالمتبوعيّة أولى من الصور الّتي يمتنع أن تكون متبوعة.
(العلم ليس
بتابع للاعتقاد)
6- قال: و هذا مذهب، لم يحك الّا عن هشام بن الحكم، و فيه ما علمت من
الفساد.
فهذه حجّة من قسم العلم إلى قسمين، و يخرج على هذا التقسيم الجواب عن
احتياج من قال: «لو كان المعتقد تابعا للاعتقاد، للزم انقلاب
الحقائق و الصّفات، و أدّى الى كثير من الجهالات»، لأنّه يقول: كلّ ما كان العلم
به مستفادا من الامور الخارجة كان العلم به تابعا للمعلوم و إذا كان العلم تابعا
للمعلوم فى مثل هذه الأشياء لم يلزم فى موضع آخر مثل ذلك، و وجب على الإطلاق الجزم
بأنّ العلم تابع للمعلوم.
6- أقول: منشأ
غلطهم فيه أنّهم توهّموا أنّ ما يصدق على علم ما، يجب أن يصدق على كلّ علم.
(حقيقة العلم)
7- قال: و هذه المسألة من المبهمات و لا يتّضح الأمر فيها إلّا بالبحث
عن حقيقة العلم و ما يتعلّق بذلك فإنّ الاختلاف إذا لم يتحقّق مورده و مصدره،
اتّسع الكلام فيه و كثر من غير فائدة و لا حصول غرض.
و العلم قد اختلف فى معناه النّظّار، فمن قائل يقول: انّه معلوم
بالضّرورة و منكشف الحقيقة، فلا يحتاج إلى حدّ يوضحه و بيان يكشفه و منهم من طلب
له حدّا أو رسما يحقّق معناه أو يميّزه عن غيره من الماهيّات، و هؤلاء هم
الأكثرون.
و أمّا الأوّلون فاحتجّوا بأنّ أحدنا يعلم كونه عالما و يميّزه عن
كونه ظانّا و محقّا و