نعلم من الأشياء إلّا صفاتها و أعراضها، من حيث هى صفات و لوازم
لشىء ما، لا من حيث حقائقها المجرّدة: إذ لو أدركنا شيئا من حيث حقيقته، لا
باعتبار صفة له أو خاصّة أو لازم أو عارض، لجاز إدراك مثله، فإنّ الحقائق، من حيث
هى حقائق، متماثلة، و ما جاز على أحد المثلين جاز على الآخر مثله. و المعرفة
الإجماليّة المتعلّقة بحقائق الأشياء لم تحصل إلّا بعد تعقّلها، من كونها متعيّنة
بما تعيّنت به من الصّفات أو الخواصّ أو اللّوازم، كما عرفنا الصّفة، من حيث
تعيّنها بمفهوم كونها صفة لموصوف ما.
فأمّا كنه الحقائق من حيث تجرّدها، فالعلم بها متعذّر، إلّا من الوجه
الخاصّ بارتفاع حكم النّسب و الصّفات الكونيّة التّقييديّة، [19، ألف] من العارف
حال تحقّقه بمقام «كنت سمعه و بصره»[1] و بالمرتبة الّتي فوقها، المجاورة لها، المختصّة
بقرب الفرائض، كما سنومئ إلى سرّ ذلك إن شاء اللّه تعالى.
(42)
و
لهذا السّرّ الّذي نبهت على بعض أحكامه أسرار غامضة جدّا يعسر تفهيمها و تفصيلها،
أحدها حكم تجلّى الحقّ السّارى فى حقائق الممكنات الّذي أشار شيخنا الإمام الأكمل-
رضى اللّه عنه- إلى خاصّة من خواصّه، تتعلّق بما كنّا فيه، و ذلك فى قصيدة إلهيّة
يناجى فيها ربّه، يقول فى أثنائها، [من البسيط]:
و لست أدرك من شىء حقيقته
و كيف أدركه و أنتم
فيه
[2] (43) فلمّا وقف المؤهّلون
للتلقّي من الجناب الإلهيّ المعتلى على مرتبة الأكوان و الوسائط، على هذه المقامات
و المنازل، و تعدّوا بجذبات العناية الالهيّة ما فيها من الحجب و المعاقل، شهدوا
فى أوّل أمرهم ببصائرهم: أنّ صورة العالم مثال لعالم المعانى و الحقائق، فعلموا
أنّ كلّ فرد من الأفراد صورة (مظهر) و مثال لحقيقة معنويّة غيبيّة و أنّ نسبة
أعضاء الإنسان، الّذي هو النّسخة الجامعة، إلى قواه الباطنة، نسبة صور العالم إلى
حقائقه الباطنة. و الحكم كالحكم. فحال بصر الإنسان بالنّسبة