يشبّه البحترى ممدوحه بالبحر فى الجود و السماح، و ينصح للناس أن
يقتربوا منه ليبتعدوا من الفقر، و يشبه امرؤ القيس الليل فى ظلامه و هوله بموج
البحر، و أنّ هذا الليل أرخى حجبه عليه مصحوبة بالمهموم و الأحزان ليختبر صبره و
قوة احتماله. و إذا تأملت وجه الشبه فى كل واحد من هذين التشبيهين رأيت أنه صفة أو
صفات اشتركت بين شيئين ليس غير، هى هنا اشتراك الممدوح و البحر فى صفة الجود، و
اشتراك الليل و موج البحر فى صفتين هما الظلمة و الروعة. و يسمى وجه الشبه إذا كان
كذلك مفردا، و كونه مفردا لا يمنع من تعدد الصفات المشتركة، و يسمى التشبيه الذى يكون
وجه الشبه فيه كذلك تشبيها غير تمثيل.
انظر بعد ذلك إلى التشبيهات التالية:
يشبه أبو فراس حال ماء الجدول، و هو يجرى بين روضتين على شاطئيه
حلّاهما الزّهر ببدائع ألوانه منبثّا بين الخضرة الناضرة، بحال سيف لماع لا يزال
فى بريق جدّته، و قد جرّده القيون على بساط من حرير مطرّز. فأين وجه الشبه؟ أتظنّ
أن الشاعر يريد أن يعقد تشبيهين:
الأول تشبيه الجدول بالسيف، و الثانى تشبيه الروضة بالبساط الموشّى؟
[1]العقاب: طائر كاسر معروف بالعز و المنعة، و
يضرب به المثل فى ذلك فيقال:
«أمنعمن عقاب الجو» و هو خفيف الجناح سريع الطير.
نام کتاب : البلاغة الواضحة، البيان و المعاني و البديع للمدارس الثانوية نویسنده : علی جارم جلد : 0 صفحه : 34