هذا و لكل من الفصل و الوصل مواطن تدعو إليها الحاجة و يقتضيها
المقام، و سنبدأ لك بمواطن الفصل:
تأمل أمثلة الطائفة الأولى تجد بين الجملة الأولى و الثانية فى كل
مثال تآلفا تامّا، فالجملة الثانية فى المثال الأول، و هى «إذاقلت شعرا أصبح الدّهر منشدا» لم تجئ إلا توكيدا للأولى، و هى جملة «وما الدهر إلا من رواة قصائدى»، فإن
معنى الجملتين واحد. و الجملة الثانية فى المثال الثانى «بعضلبعض و إن لم يشعروا خدم»، ما جاءت إلا لإيضاح الأولى «الناسللناس من بدو و حاضرة»، فهى بيان
لها، و الجملة الثانية فى المثال الثالث جزء من معنى الأولى؛ لأن تفصيل الآيات
بعض
[1]المراد بالحجاب احتجاب الممدوح عن قصاده، و
مقص: مبعد، و تحتجب: تختفى تحت الغيوم.
[2]إنما قصر علماء المعانى عنايتهم فى هذا الباب
على البحث فى عطف الجمل «بالواو» دون بقية حروف العطف؛ لأنها هى الأداة التى تخفى الحاجة إليها، و
يحتاج العطف بها إلى لطف فى الفهم و دقة فى الإدراك، إذ أنها لا تدل إلا على مطلق
الجمع و الاشتراك، أما غيرها من حروف العطف فتفيد معانى زائدة، كالترتيب مع
التعقيب فى الفاء، و الترتيب مع التراخى فى ثم، و هلم جرّا، و من أجل ذلك سهل
إدراك مواطنها.