إذا تأملت أمثلة الطائفة الأولى رأيت كلّا منها يشتمل على صيغة يطلب
بها على وجه التكليف و الإلزام حصول شىء لم يكن حاصلا وقت الطلب. ثم إذا أنعمت
النظر رأيت طالب الفعل فيها أعظم و أعلى ممن طلب الفعل منه، و هذا هو الأمر
الحقيقى و إذا تأملت صيغته رأيتها لا تخرج عن أربع: هى فعل الأمر كما فى المثال
الأول، و المضارع المقرون بلام الأمر كما فى المثال الثانى، و اسم فعل الأمر كما
فى المثال الثالث.
و المصدر النائب عن فعل الأمر كما فى المثال الرابع.
انظر إذا إلى الطائفة الثانية تجد أن الأمر فى جميعها لم يستعمل فى
معناه الحقيقى و هو طلب الفعل من الأعلى للأدنى على وجه الإيجاب و الإلزام، و إنما
يدل على معان أخرى يدركها السامع من السياق و قرائن الأحوال.
فأبو الطيب فى المثال الخامس لا يريد تكليفا و لا يقصد إلى إلزام.
و إنما ينصح لمن ينافسون سيف الدولة و يرشدهم إلى الطريق المثلى فى
طلب المجد و كسب الرفعة. فالأمر هنا للنصح و الإرشاد لا للإيجاب و الإلزام.
و صيغة الأمر فى المثال السادس لا يراد بها معناها الأصلىّ، لأن
المتنبى يخاطب مليكه. و المليك لا يأمره أحد من شعبه، و إنما يراد بها الدعاء،
كذلك كل صيغة للأمر يخاطب بها الأدنى من هو أعلى منه منزلة و شأنا.
نام کتاب : البلاغة الواضحة، البيان و المعاني و البديع للمدارس الثانوية نویسنده : علی جارم جلد : 0 صفحه : 178