سبق لك أن بلاغة التشبيه آتية من ناحيتين: الأولى تأليف ألفاظه، و
الثانية ابتكار مشبه به بعيد عن الأذهان، لا يجول إلا فى نفس أديب وهب اللّه له
استعدادا سليما فى تعرّف وجوه الشّبه. الدقيقة بين الأشياء، و أودعه قدرة على ربط
المغانى و توليد بعضها من بعض إلى مدى بعيد لا يكاد ينته.
و سرّ بلاغة الاستعارة لا يتعدى هاتين الناحيتين، فبلاغتها من ناحية
اللفظ أنّ تركيبها يدل على تناسى التشبيه، و يحملك عمدا على تخيّل صورة جديدة
تنسيك روعتها ما تضمّنه الكلام من تشبيه خفى مستور.
أ لست ترى كفه و قد تمثّلت فى صورة سحابة هتّانة تصبّ وبلها على
العافين السائلين، و أنّ هذه الصورة قد تملكت عليك مشاعرك فأذهلتك عما اختبأ فى
الكلام من تشبيه؟
[1]الأرزاء: المصائب، و الغشاء: الغلاف، و النبال:
السهام العربية، يقول: كثرت على مصائب الدهر حتى لم يبق من قلبى موضع إلا أصابه
سهم منها فصار فى غلاف من السهام.
[2]النصال: حدائد السهام، يقول: صرت بعد ذلك إذا
أصابتنى سهام من تلك المصائب لا تجد لها موضعا تنفذ منه إلى قلبى، و إنما تقع
نصالها على نصال السهام التى قبلها فتنكسر عليها.
[3]العافين: سائلى المعروف، و حانية: عاطفة شفيقة،
و تهمى: تسيل، و الطرف:
البصر، و الطماح: الذى يغالى فى طلب المعالى و السعى وراءها.
نام کتاب : البلاغة الواضحة، البيان و المعاني و البديع للمدارس الثانوية نویسنده : علی جارم جلد : 0 صفحه : 105