نام کتاب : الأشباه و النظائر في النحو نویسنده : السيوطي، جلال الدين جلد : 1 صفحه : 84
فإن قال: فأخبرني عن الكلام المنطوق به الذي نعرفه الآن بيننا،
أتقولون: إن العرب كانت نطقت به زمانا غير معرب ثم أدخلت عليه الإعراب أم هكذا
نطقت به في أول تبلبل ألسنتها به؟
قيل له: هكذا نطقت به في أول وهلة و لم تنطق به زمانا غير معرب ثم
أعربته.
فإن قال: من أين حكمتم على سبق بعضه بعضا، و جعلتم الإعراب الذي لا
يعقل أكثر المعاني إلا به ثانيا، و قد علمتم أنها تكلمت به هكذا جملة.
قيل له: قد عرّفناك أن الأشياء تستحقّ المرتبة و التقديم و التأخير
على ضروب فنحكم لكل واحد منها بما يستحقه، و إن كانت لم توجد إلا مجتمعة، ألا ترى
أنا نقول: إن العرض داخل في الأسود، عرض الأسود و الجسم أقدم من العرض بالطبع و
الاستحقاق، و إن العرض قد يجوز أن يتوهم زائلا عن الجسم و الجسم باق، فنقول:
إن الجسم الأسود قبل السواد و نحن لم نر الجسم خاليا من السواد الذي
هو فيه و لا رأينا السواد قطّ عاريا عن الجسم بل يجوز رؤيته لأن المرئيات إنما هي
الأجسام الملونة و لا تدرك الألوان خالية من الأجسام، و لا الأجسام غير ملونة، و
لم نرد بالأسود هاهنا جسما أسود بحضرتنا بل ما شوهد كذلك من الأجسام، و كذا القول
في الأبيض و الأحمر و ما أشبه ذلك، و منها: أنّا نعلم أن الذّكر في المرتبة مقدم
على الأنثى، و نحن لم نشاهد العالم خاليا من أحدهما، ثم حدث بعده الآخر إلا ما وقفنا
عليه بالخبر الصادق من سبق خلق الذكر الأنثى في خلق آدم و حواء، و أما في غيرهما
فكذلك إن علم بخبر صادق و إلا جاز تقدم كل واحد منها صاحبه، فكذلك في الكلام و
الإعراب نقول: إن الإعراب في الاستحقاق داخل على الكلام لما يوجبه مرتبة كل واحد
منهما في المعقول، و إن كان لم يوجدا مفترقين؛ و نظير ذلك أنّا نقول: إن الأسماء
قبل الأفعال، لأن الأفعال أحداث الأسماء و لم توجد الأسماء زمانا ينطق بها ثم نطق
بالأفعال بعدها، بل نطق بهما معا، و لكلّ حقه و مرتبته، و قد أجاز بعض الناس أن
تكون العرب نطقت أولا بالكلام غير معرب ثم رأت اشتباه المعاني فأعربته، ثم نقل
معربا فتكلّم به.
المبحث الرابع: في أن الإعراب لم دخل في الكلام؟
قال الزجاجي في الكتاب المذكور[1]، فإن قال قائل: قد ذكرت أن الإعراب داخل عقب
الكلام فما الذي دعا إليه و احتيج إليه من أجله؟