٦ ـ « فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ » إلى آخره ، الوصيّة وإن كانت جائزة لكن يجب العمل بها بعد الموصى من غير تغيير ولا تبديل ، ولذلك قال « فَمَنْ بَدَّلَهُ » أي بدّل ذلك الإيصاء من وصيّ وشاهد ووارث وحاكم وغيرهم بعد ما سمعه وتحقّقه فإنّما إثم ذلك التبديل على المبدّل ، والضمير في « بدّله » راجع إلى مصدر أوصى وهو الإيصاء وفي « إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » وعيد للمبدّل والمغيّر ، أي يسمع ويعلم التبديل والتغيير ، ولا يفوته شيء.
٧ ـ « فَمَنْ خافَ » أي توقّع أو علم من قولهم أخاف أن يرسل السماء « مِنْ مُوصٍ » قرء حمزة والكسائي وأبو بكر « موص » من وصى بالتشديد والباقون موص بالتخفيف من أوصى يوصي والضمير في « خاف » يرجع إلى « من » والجنف الميل إلى إفراط أو تفريط « أَوْ إِثْماً » بأن يوصي بالباطل أي بما لا يجوز الوصيّة به كالمحرّمات فعلى هذا الجنف هو الوصيّة بزائد على الثالث أو بما فيه إضرار بالوارث « فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ » أي بين الوارث والموصى له « فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ » وفي الكلام تنبيه على أنّ مطلق التبديل والتغيير غير منهيّ عنه ، بل التبديل بالباطل عن الحقّ أمّا عن الباطل إلى الحقّ فجائز.
قيل : كان الأوصياء يمضون الوصيّة بعد نزول قوله ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) ولو كان الوصيّة بهما كانت ولو بالمال كلّه فنسخ بقوله « فَمَنْ خافَ » إلى آخره.
وقيل : المراد فمن خاف من موص في حال مرضه الّذي يريد الوصيّة فيه جنفا أو إثما فلا جناح عليه أن يردّه عن ذلك ، ويشير عليه بالنهج الصحيح ، ويصلح بين الموصى والورثة والموصى له ، بحيث لا يقع بينهم خلاف يؤدّي إلى الإثم ويكون الخوف على ظاهره ، ولا يكون مترقّبا ولا متوقّعا ، وهو وجه حسن جيّد مطابق غير أن الأوّل عليه الأكثر ، وبه قال الباقر والصادق عليهماالسلام وكفى بقولهما مرجّحا له. قوله ( إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) وعد لمن بدّل الباطل بالحقّ مقابل لوعيد من بدل الحقّ بالباطل.