قوله ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ ) أي ضامّين إلى أموالكم وقيل « إلى » هنا بمعنى « مع » والمنهي عنه هنا هو ما ليس على وجه الأجرة بالمعروف كما تقدّم وعبّر بالأكل لأنّه أعظم وجوه الانتفاع والتصرف ، حيث يصير بدل ما يتحلّل.
قوله ( إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً ) أي ذنبا كبيرا.
وروي أنّ الآية نزلت في رجل كان عنده مال كثير لابن أخ له يتيم فلمّا بلغ اليتيم طلب المال فمنعه منه فترافعا إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله فنزلت فلمّا سمعها العم قال أطعنا الله وأطعنا الرسول ، ونعوذ بالله من الحوب الكبير ، ودفع إليه ماله فقال صلىاللهعليهوآله : ومن يوق شح نفسه ويطع ربه هكذا فإنّه يحل داره أي الجنّة ولمّا أخذ الفتى ماله أنفقه في سبيل الله فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله ثبت الأجر وبقي الوزر ، فقيل له كيف يا رسول الله فقال ثبت الأجر للغلام وبقي الوزر على الوالد [١].
قال بعض الفضلاء هذا الخبر يحمل على أنّ والده لم يكن يحترز في تحصيل المال من الشبهات أو لم يخرج الحقوق المالية وعندي في هذا الحمل نظر إذ مقتضاه أنّ في المال حقوقا يجب إيصالها إلى أربابها فكان يجب على النبيّ صلىاللهعليهوآله الأمر بتسليمها إلى مستحقّها ولا يدع الغلام يتصرّف فيها إذا لا يجوز له صلىاللهعليهوآله أن يقرر على الباطل.
فالأولى أن يقال : الوزر قد يراد به الثقل كما ورد التعبير عن مثل ذلك بالعب كما جاء في حديث آخر « إلهنا لغيره والعبء على ظهره » وحينئذ يكفي في الثقل ندم الميّت وأسفه على فوات ثوابه بصرفه في وجوه القرب ، وعدم انتفاعه به في آخرته أو أنّه إذا شاهد ما حصل لوارثه ممّا كدّ حينئذ في تحصيله تألّم بذلك.
وأمّا السؤال المشهور هنا وهو أنّ أكل مال اليتيم حرام قطعا منفردا أو منضما فلم خصّ النهي بأكله منضما؟ فأجاب عنه الزمخشريّ بأنهم لمّا كانوا أغنياء فأكل مال اليتيم منهم أقبح ، وأيضا كانوا يفعلون كذلك فنهوا عنه نغيا عليهم وتسميعا [٢].
[١] الدر المنثور ج ٢ ص ١١٧. [٢] في بعض النسخ : تعييبا عليهم وتشنيعا ، ومعناهما متشابه.