من العلم و الحكمة، و ذلك كما ذكرنا مثل النور لقول رسول اللّه صلى
اللّه عليه و سلم:
العلم نور
يجعله اللّه فى قلب من يشاء من عباده، و قد تقدم ذكر تأويل النور بتمامه و إن
أولياء اللّه نور من نوره أقامه لعباده، و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أشرفهم
و أفضلهم و أعلاهم نورا.
و أما قوله
إن من مات ليلة الجمعة يعنى من المؤمنين عوفى من عذاب القبر، و من مات يوم الجمعة
عتق من النار، فسنذكر عند ذكر الجنائز معنى موت المؤمنين بتمامه و جملة القول فى
ذلك أنه انتقاله من حال إلى حال من الخير فمن انتقل كذلك فى ظاهر دعوة الحق أو فى
باطنها عوفى من العذاب فى الدنيا و الآخرة، و تأويل قوله إنه لا بأس بالصلاة يوم
الجمعة كله لأن النار لا تستعر فيه، و سنذكر بتمامه عند ذكر الأوقات المنهى عن
الصلوات فيها و نداء الملك ليلة الجمعة تأويله دعاء الداعى إلى دعوة الحق المستورة
و الترغيب فيها بما جاء فى ذلك من الترغيب، فافهموا أيها المؤمنون من البيان و
التأويل ما تسمعون، فهمكم اللّه ذلك و نفعكم به، و صلى اللّه على محمد نبيه و على
الأئمة من ذريته و سلم تسليما.
المجلس
العاشر من الجزء الخامس: [فى صلاة الجمعة]
بسم اللّه
الرحمن الرحيم الحمد للّه الّذي علا فلم ينأ فى علوه بمفارقة و لا زوال، و قرب فلم
يدن بقربه بتصرف و لا انتقال، و صلى اللّه على محمد سيد البشر و على الأئمة من
ذريته أفضل من مضى و من غبر إن الّذي يتلو ما تقدم من شرح التأويل قول على صلى
اللّه عليه و سلم: يوشك أحدكم أن يبتدئ حتى لا يأتى المسجد إلا يوم الجمعة ثم
يستأخر حتى لا يأتى الجمعة إلا مرة و يدعها مرة ثم يستأخر حتى لا يأتيها فيطبع
اللّه على قلبه، تأويل ذلك ما قد تقدم القول به من أن أمثال المساجد فى الباطن
أمثال مجالس الدعاة إلى دعوة الحق و المواظبة على شهودها مما يؤمر به و مما فيه
الفضل كما ذلك فى حضور المساجد فى الظاهر للصلاة فيها فإذا تخلف المستجيب عنها حتى
لا يأتيها إلا يوما فى الجمعة و هو يجدها كل يوم فترك شهودها لغير عذر كان مضيعا
لذلك مفرطا فإن جاء جمعة و تأخر أخرى كان ذلك كذلك أعظم تفريطا و تضييعا فإن تركها
لغير علة و لا عذر طبع اللّه على قلبه فلا يعى علما و لا حكمة إذا هو انقطع عن سماها.