بسم اللّه
الرحمن الرحيم الحمد للّه الخالق البائن عن صفات المخلوقين، الإله المتعالى عن
تحديد عباده المحدودين، و صلى اللّه على أفضل البرية أجمعين، محمد نبيه و الأئمة
من ذريته الصفوة المهديين، و إن الّذي يتلو ما قد مضى من جملة القول فى ذكر
الإمامة قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «إمام القوم وافدهم إلى اللّه
فقدموا فى صلاتكم أفضلكم».
و عن على
صلى اللّه عليه و سلم أنه قال: لا تقدموا سفهاءكم فى صلاتكم و لا على جنائزكم
فإنهم وفدكم إلى ربكم، فهذا من الواجب فى ظاهر الصلاة ألا يؤم الناس فيها إلا
أفاضلهم و كذلك هو فى باطن الأمر أنه لا يكون الإمام إلا أفضل أهل زمانه الّذي جعل
كما ذكرنا الإمام فى الصلاة فى الظاهر مثلا له و كذلك لا ينبغى أن يقام لدعوة الحق
إلا أفضل من يوجد ممن يصلح لذلك.
و قوله إنهم
وفدكم إلى ربكم، تأويله أن الوفد فى اللغة جمع وافد، و هو الّذي يأتى الملك عن
القوم، فكذلك الأئمة هم الذين يفدون إلى اللّه بأهل أزمانهم و هم الشهداء عليهم
كما قال جل من قائل: «فَكَيْفَ إِذٰا جِئْنٰا مِنْ كُلِّ
أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ»[1] و قال «وَ جِيءَ
بِالنَّبِيِّينَ وَ الشُّهَدٰاءِ»، و قال:
«أُولٰئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَ الشُّهَدٰاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ» و كذلك
الدعاة هم وفود أهل زمانهم إلى أئمتهم عندهم عليهم بأعمالهم التى طلعوا فيها
عليهم.
و يتلو ذلك
قول على صلى اللّه عليه و سلم: لا يؤم المريض الأصحاء إنما كان ذلك لرسول اللّه
صلى اللّه عليه و سلم خاصة يعنى أنه مرض صلى اللّه عليه و سلم فصلى بالناس فى
مرضه، و تأويل ذلك فى الباطن أن المرض فى الباطن الفساد فى الدين قال اللّه تعالى: «فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزٰادَهُمُ اللّٰهُ مَرَضاً»[2] فمن فسد
دينه لم يجز له أن يؤم من كان صحيح الدين و كذلك لا يؤم فى الظاهر المريض الأصحاء
لأن المريض لا يستطيع أن يصلى قائما و لا يقيم ما يجب إقامته من حدود الصلاة على