و يتلو ذلك قول على صلى اللّه عليه و سلم من السحت أجر المؤذن يعنى
إذا استأجره القوم يؤذن لهم و لا بأس أن يجرى عليه من بيت المال، تأويل ذلك أن من
السحت ما يأخذه المأذون الّذي يكبر على الناس و يدعوهم إلى دعوة الحق أو من دونه
ممن يرشد الناس و ينصح لهم أو من فوق ذلك من الدعاة يعطيه الناس هؤلاء على ذلك أو
أن يكلفوهم عليه لأنفسهم شيئا من أموالهم لأن النصيحة و الأمر بالمعروف و التواصى
بالبر و التقوى فرض على المؤمنين من بعضهم لبعض و ما كان مفروضا لم يجز لمن فرض
عليه أن يأخذ أجرا فيه فإن أخذه كان سحتا و لا بأس أن يجرى الإمام أو من يقيمه
الإمام لذلك على من يقوم به من وجوه الأموال التى تجوز أن يجرى منها لمثل ذلك على
من يقوم به من وجوه الأموال و فى ذلك من التأويل وجه آخر و هو أن من يدعو الناس
إلى دعوة الحق ليس ينبغى له أن يستفيد منهم و ذلك أن يكون على خلاف ما يدعوهم إليه
فيحتاج إلى أن يرشدوه هم إلى دعوة الحق و يعظوه و يدلوه عليه لأن يقبح بالمرء أن
يدعو إلى خير و هو على خلافه أو ينهى عن شر و هو مصر عليه، فافهموا تأويل ظاهر ما
تعبدتم به أيها المؤمنون و باطنه و أقيموا ذلك كما أمر اللّه تعالى بإقامته أعانكم
اللّه على ذلك و وفقكم إليه و صلى اللّه على محمد نبيه و على الأئمة من ذريته و
سلم تسليما؛ حسبنا اللّه و نعم الوكيل.
المجلس
الرابع من الجزء الرابع: [فى ذكر المساجد]
بسم اللّه
الرحمن الرحيم الحمد للّه الّذي لم توقته الأوقات فتجرى عليه الأزمنة و لم تحط به
الجهات فتحويه الأمكنة و صلى اللّه على إمام المؤمنين محمد رسوله و الأئمة من
ذريته المصطفين.
ثم إن الّذي
يتلو ما مضى من تأويل كتاب دعائم الإسلام قول على صلى اللّه عليه و سلم من سمع
النداء و هو فى المسجد يعنى الأذان ثم خرج فهو منافق إلا رجل يريد الرجوع إليه أو
يكون على غير طهر فيخرج ليتطهر، ظاهره معروف واجب و تأويله أن المسجد كما ذكرنا
مثله مثل مجلس الدعوة الّذي يجتمع فيه المؤمنون، لأخذ بيعة الأئمة عليهم و سماع
الحكمة التى تلقى إليهم فمن خرج ممن دعى إلى ذلك المشهد بعد أن صار إليه رغبة عنه
فهو منافق إلا من خرج لعذر يعذر به و هو ينوى الرجوع أو لقضاء واجب عليه لا يسعه
التخلف عنه مما يكون خروجه إليه طهارة له من ذنوب قد لزمته.