يسعى فى إفادة ما فاته من الحكمة بعد إقلاعه عما اقترفه، فافهموا
معشر المؤمنين ما تعبدكم اللّه به ظاهرا و باطنا فإن ذلك مرتبط بعضه ببعض يشهد كل
شيء منه لصاحبه و يطابقه و يوافقه فما وجب فى الظاهر وجب كذلك مثله و نظيره فى
الباطن لا يجزى إقامة أحدهما دون الآخر و لا يحل فى الظاهر ما حرم فى الباطن و لا
فى الباطن ما حرم فى الظاهر و إياكم أن يستميلكم عن ذلك تحريف المحرفين و لا شبهات
الشياطين فإن اللّه عز و جل يقول: «وَ ذَرُوا
ظٰاهِرَ الْإِثْمِ وَ بٰاطِنَهُ» و
قال: «قُلْ إِنَّمٰا حَرَّمَ رَبِّيَ
الْفَوٰاحِشَ مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا وَ مٰا بَطَنَ» و قال: «وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ
نِعَمَهُ ظٰاهِرَةً وَ بٰاطِنَةً» و
أعظم نعمة ما تعبد العباد به من إقامة دينه الّذي أوجب لهم النعيم المقيم بإقامته
جعلكم اللّه ممن يرعى ذلك حق رعايته و يقيمه كنه إقامته، و صلى اللّه على محمد
نبيه صلى اللّه عليه و سلم و على الأئمة من ذريته و سلم تسليما، حسبنا اللّه و نعم
الوكيل.
المجلس
الثالث من الجزء الثالث: [فى ذكر الاستبراء]
بسم اللّه
الرّحمن الرّحيم الحمد للّه الّذي لا يبلغ الحمد و إن أخلصه و واصله العبد حق نعمة
من نعمائه عليه فيقصيها مع قول اللّه تعالى: «وَ إِنْ
تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّٰهِ لٰا تُحْصُوهٰا» و صلى
اللّه على المصطفين من عباده الطاهرين من محمد نبيه و الأئمة من ذريته الصادقين.
ثم إن الّذي
يتلو ما قد سمعتموه من باطن ظاهر الدين يلقى ما جاء فى المحيض.
فمنه ما جاء
عن الصادق صلى اللّه عليه و سلم أن علامة الطهر من الحيض أن تستدل الحائض قطنة
يعنى فى فرجها فلا يعلق بها شيء يعنى من الدم إذا أخرجتها و تخرج نقية و هذا هو
الحكم فى علم زوال الحيض عن الحائض و اعتباره فى الظاهر و تأويل ذلك فى الباطن أن
الحائض مثلها فى الباطن كما تقدم القول فيما سمعتموه مثل المستجيب يحدث حدثا فى
دينه أنها بما يجب عليه من التوبة من ذلك و الإخلاص فيه. و استدخال الحائض القطنة
أو ما هو مثلها من الخرق و غيرها عند انقطاع الدم عنها لتختبر بذلك انقطاعه مثله
فى الباطن أن يمتحن المقلع عما وقع فيه من الخطيئة نفسه بعد الإقلاع عنها و التوبة
منها بسماع ما دخل الشك عليه لسماعه و عارضته الشبهة و وقع فى الخطيئة من أجله فإن
رأى ذلك لم يثبت عنده و لا أقبل عليه قلبه فقد تم له أمره و انقطع ما دخل من
الفساد عليه عنه و إن مالت إلى شيء من ذلك همته