فى غسل اليد من الطعام بالطعام ينفر النعمة و أعظم النعمة نعمة الدين
و نفارها عن العبد زوالها عنه و انقطاعها منه إذا هو لم يرعها حق رعايتها و يصنها
واجب صيانتها، جعلكم اللّه معشر الأولياء ممن يصون من نعمه ما أولاه و يعرف حق ذلك
و يرعاه، و صلى اللّه على محمد نبيه و على الأئمة من ذريته و سلم تسليما، و حسبنا
اللّه و نعم الوكيل.
المجلس
الثامن من الجزء الثانى: [فى ذكر التنظف]
بسم اللّه
الرّحمن الرحيم الحمد للّه المشهود له فى الوجود بالإقرار له فى قلوب أهل الجحود و
صلى اللّه على نبى الأمة محمد و آله الأئمة. انتهى القول معشر الأولياء فيما
سمعتموه من تأويل كتاب الدعائم إلى ما يتلوه مما جاء عن أبى جعفر محمد بن على صلى
اللّه عليه و سلم من قوله الوضوء قبل الطعام و بعده بركة الطعام، و قد تقدم القول
فى التأويل بأن مثل الوضوء فى الجملة هاهنا و هو غسل اليدين قبل الطعام مثل التنظف
من أوساخ الذنوب قبل استماع العلم الّذي مثله مثل الطعام فى الباطن و به حياة
النفوس الباطنة كما بالطعام فى الظاهر حياة الأبدان الظاهرة و أن مثل الغسل بعد
الطعام مثل ستر العلم و كتمانه إذا كان فعل ذلك إنما يراد به إزالة رائحة الطعام
عن اليدين فمن تقدم قبل استماعه للعلم بإصلاح نفسه و صيانتها عن محارم اللّه و
استعمل الورع عن ذلك بما صان ما صنعه سمعه من العلم و حفظ ما استحفظه منه و ستر ما
أمر بستره و كتمانه فكتمه فقد بورك له فيه و انتفع بالعلم الّذي سمعه.
فهذا تأويل
قوله صلى اللّه عليه و سلم الوضوء قبل الطعام و بعده بركة الطعام، و البركة
التكثير و الزيادة، و غسل الأيدى قبل الطعام و بعده فى الظاهر أيضا مأمور به مندوب
إليه و فيه فضل لأنه من التنظف الواجب فى الشريعة.
و يتلو ذلك
قول على صلى اللّه عليه و سلم إن الشيطان مولع بالغمر فإذا أوى أحدكم إلى فراشه
فليغسل يده من ريح الغمر تأويل ذلك ما قد تقدم القول فى أن الشيطان من انقطع عن
مولى زمانه و بعد منه بعد إنكار له و اجتناب و اسم الشيطان مشتق من الشطن و هو
البعد و اشتمامه للغمر و ولوعه به هو مطالبته من المؤمن إذا أحس بأنه قد حوى شيئا
من العلم أن يفضى به إليه برمز أو إيماء أو إشارة فهو يحتال عليه فى ذلك ليستخرجه
منه و ذلك مثل وجود الرائحة و غسل اليدين من الغمر مثله