قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً
فَتَيَمَّمُوا[1]
فنقلنا من الماء إلى التراب من غير واسطة، و أبو حنيفة يخالف هذا الظاهر، لأنه
يجعل بينهما واسطة هي النبيذ.
و ليس له أن
يقول: إن في النبيذ ماء، فمن وجده كان واجدا للماء، و لا يجوز انتقاله إلى التراب.
و ذلك أن
ليس كل شيء كان فيه ماء، يطلق اسم الماء عليه، لأن الخل، و ماء الورد، و سائر
المائعات فيها ماء و لا يطلق عليها اسم الماء، و يتيمم مع وجودها.
على أنه لو
تناول النبيذ اسم الماء لدخل تحت الآية [كدخول الماء المطلق، و وجبت مساواة النبيذ
الماء في حكم الآية] [1]، و يلزم جواز الوضوء بالنبيذ مع وجود الماء لأنه جار
مجراه، و قد أجمعوا على خلاف ذلك.
على أن
الأنبذة المسكرة عندنا نجسة، و لا يجوز الوضوء بها و هي نجسة، و ما ليس بمسكر منها
فما دل على أن المائعات كالخل و ما أشبهه لا يجوز الوضوء بها يدل على أنه لا يجوز
الوضوء به.
و قد
استقصينا في كتابنا مسائل الخلاف بين سائر الفقهاء [2] الكلام في أنه لا يجوز
الوضوء بالأنبذة، و تكلمنا على خبر ليلة الجن [3] و وصفناه، فمن أراد
[2] الكتاب
غير متوفر لدينا، و سيأتي منه (قده) الإحالة على هذا الكتاب في كثير من
استدلالاته. لاحظ على سبيل المثال الصفحات: 13، 25، 42.
[3] و قد
جاء في بعض ألفاظ هذا الخبر كما عن السنن الكبرى للبيهقي:
«عن ابن
مسعود قال: أتانا رسول الله عليه السلام فقال: إني قد أمرت أن أقرأ على إخوانكم من
الجن، ليقم معي رجل منكم، و لا يقم معي رجل في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر،
فقمت معه و معي إداوة من ماء. إلى أن قال رسول الله صلى الله عليه و آله لابن
مسعود: هل معك من وضوء؟ قلت: لا. قال: فما ذا في الإداوة؟ قلت: نبيذ. قال:
تمرة حلوة
و ماء طيب. ثم توضأ و أقام الصلاة. إلى آخره. قال النووي في مقام رده على هذه
الروايات في كتابه (المجموع) ما نصه: و لقد أحسن و أنصف الإمام أبو جعفر أحمد بن
محمد بن سلامة الطحاوي إمام الحنيفة في الحديث، و المنتصر لهم، حيث قال في أول
كتابه: إنما ذهب أبو حنيفة و محمد إلى الوضوء بالنبيذ اعتمادا على حديث ابن مسعود،
و لا أصل له، فلا معنى لتطويل كتابي بشيء فيه. انظر: المجموع شرح المهذب 1: 95، و
السنن الكبرى للبيهقي 1: 9، سنن الترمذي 1:
147- 88،
سنن أبي داود 1: 21- 84، سنن ابن ماجة 1: 135- 384، سنن الدار قطني 1: 78- 16،
مصنف ابن أبي شيبة 1: 25.