و قال مالك: إن الراحلة لا يعتبر بها [1] وجوب الحج، و من أطاق الحج
ألزمه الحج ماشيا. فأما الزاد فلا يعتبر القدرة عليه و حصوله، بل إن كان ذا صنعة
يمكنه الاكتساب بها في طريقه لزمه الحج، و إن لم يكن ذا صنعة و كان يحسن السؤال و
جرت عادته به لزمه أيضا الحج، فإن لم تجر عادته به لم يلزمه[1].
دليلنا على
صحة ما ذهبنا إليه بعد الإجماع المتكرر ذكره: أنه لا خلاف في أن ما حاله من ذكرناه
أن الحج يلزمه، فمن ادعى أن الصحيح الجسم إذا خلا من سائر [2] الشرائط التي
ذكرناها يلزمه الحج فقد ادعى وجوب حكم شرعي في الذمة و عليه الدليل، لأن الأصل
براءة الذمة.
و أيضا قوله
تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا[2].
و الاستطاعة
في عرف الشرع و عهد اللغة أيضا عبارة عن تسهيل الأمر و ارتفاع المشقة فيه، و ليست
بعبارة عن مجرد القدرة.
ألا ترى
أنهم يقولون: ما أستطيع النظر إلى فلان، إذا كان يبغضه و يمقته و يثقل عليه النظر
إليه، و إن كانت معه قدرة على ذلك.
و كذلك
يقولون: لا أستطيع شرب هذا الدواء، يريدون إنني أنفر منه و يثقل علي.
و قال الله
تعالى إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً[3] و إنما
أراد هذا المعنى لا محالة.