نام کتاب : المبدأ و المعاد نویسنده : الملا صدرا جلد : 1 صفحه : 389
و يشاهد بباصرتها الباطنة في غاية ما فيها من القوام و قوة الوجود، و
يكون هي أقوى من المحسوسات، و كما يكون حينئذ تلك القوة هي بعينها عينا باصرة
للنفس، يكون قوة فعالة لها، فيصير قوة واحدة فاعلة و مدركة، و يكون من مشاهدة
النفس عين قدرتها. كما أن الواجب تعالى علمه بالأشياء الذي يرجع إلى بصره عين
قدرته عليها كما هو مذهب الإشراقيين و الجميع عين ذاته تعالى، و ليعلم أن النفس
باعتبار كل قوة من قواها الإدراكية من العاقلة و المصورة و الحاسة، يقع في عالم
آخر، فباعتبار كل قوة للمعقولات الكلية يكون في عالم العقول الذي هو فوق العوالم،
و باعتبار إدراكها المحسوسات يكون في عالم الأجرام و المواد الذي هو تحت العوالم،
و باعتبار إدراكها للمثل الخيالية يكون في عالم بين العالمين. و مما يجب أن يعلم
أن أهل كل عالم من العوالم إنما يدرك الموجودات التي فيه على سبيل المشاهدة و
العيان، و يدرك الصور التي هي في أحد العالمين الآخرين على سبيل الحكاية و
الاستخبار للأمور الغائبة عن الأبصار بالعبارة و البيان، فشهادة كل عالم غيب في
الآخرة و عيانه علم و خبر في غيره.
و لما كانت نفوس أكثر الناس ما دامت في هذا العالم اشتغالها بالحواس
أكثر و اهتمامها بتربية البدن و أعضائه التي هي محال الحواس أشد من اهتمامها
بتقوية القوة العاقلة و القوة المصورة، فهي قليلة التوجه و الالتفات بتحصيل مآرب
القوة العاقلة و السعادة الحقيقية اليقينية، كما فعله المقربون و الكاملون في
العلوم و المعارف من عكوفهم على الرياضات العلمية ضعيفة الاشتغال و الاهتمام
بتحصيل مآرب القوة العملية و الخيالية و السعادات الوهمية الأخروية، كما فعله أصحاب
اليمين من المتوسطين في المعرفة من اشتغالهم بكثرة العبادات العملية مشعوفة بنية
صالحة على قدر ما يمكنهم و يتيسر لهم من الإخلاص في العمل و تصفية النية عن
الأغراض الدنياوية، فإذا كان الغالب على الإنسان في هذا العالم النشأة الحسية، لا
جرم، كلما يراه من هذا العالم المحسوس يكون واثقا بوجوده و نائلا له بحواسه، لكونه
من متاع هذه الحياة الدنيا.
و أما ما يراه في النوم أو يتخيل له بقوته الخيالية التي هي باصرته
الباطنة التي تبصر بها و يشاهد الصور الغيبية و يراها في عالم متوسط بين العالمين،
فلا يثق بوجوده و لا يعتمد عليه، لكونه معرضا عنه إلى هذا العالم، مع أن ذلك أصدق
وجودا في نفسه
نام کتاب : المبدأ و المعاد نویسنده : الملا صدرا جلد : 1 صفحه : 389