الأحوال والتغيرات التى تلحقه. فمن الذى يحكم [١] بأن الماء والنار أو أحد هذه مبدأ.
وأما الذين جعلوا الإدراك بالعددية فقالوا لأن المبدأ لكل شىء عدد ، بل قالوا ماهية كل شىء عدد ، وحدّه عدد ، وهؤلاء وإن كنا قد دللنا على بطلان رأيهم فى المبدأ فى موضع أخر ، وسندلّ فى صناعة الفلسفة الأولى [٢] أيضا على استحالة رأيهم هذا وما أشبهه ، فإن مذهبهم هاهنا نزيّفه من حيث النظر الخاص بالنفس ، وذلك بأن ننظر ونتأمل هل النفس إنما تكون نفسا بأنها عدد معين كأربعة أو خمسة ، أو بأنها مثلا زوج أو فرد أو شىء أعم من عدد معين.
فإن كانت النفس إنما هى ما هى بأنها عدد معين ، فما يقولون فى الحيوان المخرز [٣] الذى إذا قطع تحرك كل جزء منه وأحسّ ، وإذا أحسّ فلا محالة هناك تخيل مّا [٤] ، وكذلك كل جزء منه يأخذ فى الهرب إلى جهة وتلك الحركة من تخيل ما لا محالة. ومعلوم أن الجزءين يتحركان عن قوتين فيهما ، وأن كل واحد منهما أقل من العدد الذى كان فى الجملة ، وإنما كان النفس عندهم العدد الذى فى الجملة لا غير ، فيكون هذان الجزءان يتحركان لا عن نفس وهذا محال ، بل فى كل واحد منهما نفس من نوع نفس الآخر ، فنفس مثل هذا الحيوان واحدة بالفعل ، متكثرة
[١] كما فى جميع النسخ التى عندنا. وذلك لأن الحكم فرع ادراك الطرفين فاذا لم يدرك احدهما فكيف يحكم على شيء بشيء. [٢] ج ٢ ص ٧٠ ـ ط ١. [٣] المخرز كمعظّم : كل طائر على جناحيه نمنمة أى نقش. [٤] اى فاعل بالقصد ، اذ ليس عن طبع والاّ لما اختلفت ، ولا عن قسر لعدم القاسر فهو عن التخيل والقصد.