ينفّرها عنه ، والموافقة التى تدركها من صاحبها ، وبالجملة المعنى يؤنسها به. وهذه أمور تدركها النفس الحيوانية ، والحسّ لا يدلّها على شىء منها. فإذن القوة التى بها تدرك ، قوة أخرى ولتسمّ الوهم.
وأما التى تكون محسوسة فإنا نرى مثلا شيئا أصفر فنحكم أنه عسل وحلو ، فإن هذا ليس يؤديه إليه الحاس فى هذا الوقت ، وهو من جنس المحسوس ، على أن الحكم نفسه ليس بمحسوس ألبتة وإن كانت أجزاؤه من جنس المحسوس ، وليس يدركه فى الحال ، إنما هو حكم نحكم به وربّما غلط فيه وهو أيضا لتلك القوة.
وفى الإنسان للوهم أحكام خاصة [١] من جملتها حمله النفس على أن تمنع وجود أشياء لا تتخيل ولا ترتسم فيه وتأبيّها التصديق بها. فهذه القوة لا محالة موجودة فينا ، وهى الرئيسة الحاكمة فى الحيوان حكما ليس فصلا كالحكم العقلى ، ولكن حكما تخيليا مقرونا بالجزئية [٢] وبالصورة الحسية ، وعنه تصدر أكثر الأفعال [٣] الحيوانية.
وقد جرت العادة بأن يسمى مدرك الحس المشترك صورة ومدرك الوهم معنى ، ولكل واحد منهما خزانة.
فخزانة مدرك الحس وهو الصورة هى القوة الخيالية ، وموضعها مقدم الدماغ ، فلذلك إذا حدثت هناك آفة فسد هذا الباب من التصور ، إما بأن تتخيل صورا ليست أو تصعب استثبات الموجود فيها.
وخزانة مدرك المعنى هو القوة التى تسمى الحافظة ، ومعدنها
[١] راجع ص ٦٤ تمهيد القواعد ـ ط ١. [٢] قوله : « مقرونا بالجزئية » وعلى ما فى الاسفار فهو كلى مضاف الى الجزئى. [٣] افعال. نسخة.