أن تكون فى نفسها لا فى موضوع ألبتة ، وقد علمت ما الموضوع.
فإن كان كل نفس موجودة لا فى موضوع ، فكل نفس جوهر ، وإن كانت نفس مّا قائمة بذاتها والبواقى كل واحد منها فى هيولى وليست فى موضوع فكل نفس جوهر ، وإن كانت نفس مّا قائمة فى موضوع وهى مع ذلك جزء من المركب فهى عرض ، وجميع هذا كمال. فلم يتبين لنا بعد أن النفس جوهر أو ليست بجوهر من وضعنا أنها كمال. وغلط من ظن أن هذا يكفيه فى أن يجعلها جوهرا كالصورة.
فنقول : إنا إذا عرفنا أن النفس كمال بأى بيان وتفصيل فصلنا الكمال ، لم يكن بعد عرفنا النفس وماهيتها ، بل عرفناها من حيث هى نفس ؛ واسم النفس ليس يقع عليها من حيث جوهرها ، بل من حيث هى مدبرة للأبدان ومقبسة إليها. فلذلك يؤخذ البدن فى حدها ، كما يؤخذ مثلا البناء فى حد البانى ، وإن كان لا يؤخذ فى حده من حيث هو إنسان.
ولذلك صار النظر فى النفس من العلم الطبيعى ، لأن النظر فى النفس من حيث هى نفس نظر فيها من حيث لها علاقة بالمادة والحركة ، بل يجب أن نفرد لتعرّفنا ذات النفس بحثا آخر. ولو كنّا عرفنا بهذا ذات النفس ، لما أشكل علينا وقوعها فى أى مقولة تقع فيها. فإن من عرف وفهم ذات الشىء فعرض على نفسه طبيعة أمر ذاتى له لم يشكل عليه وجوده له ، كما أوضحناه فى المنطق.
لكن الكمال على وجهين : كمال أول ، وكمال ثان. فالكمال الأول
جوهرا فلم يتبيّن بعد من مفهوم كون النفس كمالا انّ ذلك الكمال جوهر او عرض ».