الاعتراض فى الغرض ، لأن الماء يكون قد استحال أو تشبح لا أن الصبغ القليل نفذ فى كله ، وقد يستحيل كثير المقدار من كثير القوة قليل المقدار. وبالجملة إن كان حال الهواء فى استحالته عن الأشعة هذه الحال ، عرض ما سلف منا منعه ، ووجب أن تكون الأشعة إذا كثرت جدا ازداد الهواء استحالة نافعة فى الإبصار. وإن كان على سبيل التأدية دون الاستحالة فطبيعة الهواء [١] مؤدية للأشباح إلى القوابل فليؤد أيضا إلى الإبصار.
وإن لم يكن على مقتضى القسم الثانى ، بل على سبيل القسم الأول ، فإنا لا يمكننا أن نشك فى أن الماء متجز بين أجزاء الزعفران والزعفران متجز بين أجزاء الماء ، وأن أجزاء الماء لا محالة أعظم حجما من أجزاء الزعفران ، وأن بين كل جزئين من أجزاء الزعفران متواليين ماء صرفا [٢] ، وأن هذه المياه الصرفة فى أكثر المواضع التى بين جزئى الزعفران أعظم كثيرا من أجزاء الزعفران ، حتى تكون نسبة الأجزاء إلى الأجزاء إذا أخذت واحدا إلى الآخر كنسبة الكل إلى الكل. فإذا كانت كذلك كانت مقادير أجزاء الزعفران صغارا ولم يجز أن تستولى على الماء كله ، فما كان ينبغى أن ينصبغ الماء بالكلية ، بل هذا الوجه باطل.
وإنما يرى الماء مصبوغا كله لأحد الأمرين :
إما لأن كل واحد من أجزاء الماء وأجزاء الزعفران من الصغر بحيث لا يدركه الحس متميزا ، وذلك لا يمنع أن يكون أحدهما أكثر كثيرا جدا من
[١] وطبيعة الهواء ، نسخة. [٢] مياها صرفة ، وان هذه المياه الصرفة ، عدة نسخ.