و يرجع الأمر إلى أن هذه القبلية البعدية أول موضوعهما [1] الزمان. فالزمان لذاته يعرض له قبل و بعد، بل الذي يعرض له قبل و بعد لذاته هو الذي نسميه الزمان، إذ قد بينا أنه لذاته هو مقدار الإمكان المشار إليه، و لما [2] صح أن الزمان ليس مما يقوم بذاته، و كيف يكون مما [3] يقوم بذاته و ليس له ذات حاصلة و هو حادث و فاسد، و كل ما يكون مثل‌ [4] هذا فوجوده‌ [5] متعلق بالمادة، فيكون الزمان ماديا، و مع أنه مادى موجود فى المادة بتوسط الحركة فإن لم تكن حركة و لا تغير لم يكن زمان، فإنه كيف يكون زمان‌ [6] و لا يكون قبل و بعد، و كيف يكون قبل و بعد إذا لم يحدث أمر فأمر [7] فإنه لا يكون بعد و قبل معا، بل يبطل الشي‌ء الذي هو قبل من حيث هو قبل، لأنه يحدث الشي‌ء الذي هو بعد، من حيث هو بعد [8] فإن لم يكن اختلاف و تغير ما [9] بأن يبطل شي‌ء أو يحدث شي‌ء لا يكون أمر هو بعد إذ لم يكن قبل، أو أمر هو قبل‌ [10] إذ ليس بعد.

فإذن الزمان لا يوجد إلا مع وجود تجدد حال و يجب أن يستمر فى ذلك التجدد و إلا لم يكن زمان أيضا، لأنه إذا كان أمر دفعة ثم لم يكن شي‌ء [11] البتة حتى كان‌ [12] شي‌ء آخر دفعة لم يخل إما أن يكون بينهما إمكان تجدد أمور أو لا يكون فإن كان بينهما إمكان تجدد أمور فيكون فيما بينهما قبل و بعد، و القبل و البعد إنما يتحقق بتجدد أمور، و فرضنا أنه ليس هناك تجدد أمور، هذا خلف. و إن لم يكن بينهما هذا الإمكان فهما متلاصقان‌ [13]، فلا يخلو إما أن يكون ذلك الالتصاق مستمرا أو لا يكون، فإن كان مستمرا فقد حصل ما فرضناه على أنه محال ستتضح استحالته بعد، و إن كان منقطعا عاد الكلام من رأس. فيجب ضرورة إن كان زمان أن يكون تجدد أحوال إما على التلاصق‌ [14] و إما على الاتصال، فإن لم تكن حركة لم يكن زمان. و لأن الزمان كما قلنا مقدار و هو متصل محاذ لاتصال‌ [15] الحركات و المسافات، فله لا محالة فصل متوهم و هو الذي يسمى الآن.

[1] موضوعهما: موضوعها د، سا.

[2] و لما: لما سا.

[3] يكون مما: ساقطة من م.

[4] مثل: يمثل م‌

[5] فوجوده: بوجوده سا.

[6] زمان (الثانية): ساقطة من سا.

[7] فأمر: ساقطة من م.

[8] من حيث هو بعد: ساقطة من د

[9] ما: ساقطة من سا، ط، م.

[10] أو أمر هو قبل: ساقطة من م.

[11] شي‌ء (الأولى): الشي‌ء د

[12] حتى كان: حتى إذا كان سا.

[13] متلاصقان: ملتصقان سا، م.

[14] التلاصق: التلاحق بخ.

[15] لاتصال: الاتصال سا.