هذه المسألة إنما تتضح حق اتضاحها بعد ما ثبت أن لمفهوم الوجود
المعقول- الذي من أجلى البديهيات الأولية مصداقا في الخارج و حقيقة و ذاتا في
الأعيان و أن حقيقتها نفس الفعلية و الحصول و الوقوع لا بالمعنى المصدري كما ظنه
المتأخرون كلهم بل بمعنى أنها نفس حقيقة الوقوع و ما به الوقوع سواء كان الوقوع
وقوع نفسه أي نفس الوجود أو وقوع شيء آخر هو الماهية و أما من لم يضع للمفهوم من
الوجود- عند العقل حقيقة و ذاتا سوى هذا المفهوم الانتزاعي البديهي التصور فيصعب
عليه بل لا يجوز له دعوى كون الوجود خيرا محضا لأن[2]معنى الخير ما يؤثر عند العقلاء
[1]هذه مسألة عمدة نافعة كثيرا سيما في التوحيد و ادعوا فيها
البداهة و بعضهم برهن عليه و هو مذكور في شرح حكمة الإشراق و في إلهيات هذا الكتاب
فبطل قول من أورد على الحكماء أنهم لم يبرهنوا هذه المسألة مع شموخها و ذلك
لبداهتها كما علمت، س ره
[2]إشارة إلى برهان المسألة من طريق تحليل معنى الخير و هو أن
الطلب و الإرادة لا تتعلق بشيء إلا بعد ترجحه على غيره بمرجح على ما سيتبين و
المعنى الذي هو ملاك الترجح هو المسمى بالخير و به يتحقق اختيار المراد و يستوجب
تعلق الإرادة و الشوق فالخير ما يؤثر على غيره و يشتاق إليه و يطلبه الموجودات و
الخير إما خير مطلوب لذاته أو لأمر آخر مرتبط به و ينتهي إلى ما يطلب لذاته فهناك
ما هو خير بالغير و ما هو خير بالذات أي ذاته عين المطلوبية لغيره و هو الذي يطلبه
كل شيء و ينتهي إليه كل غاية- و ليس إلا وجودا فإن العدم لا ذات له و الماهية غير
أصيلة فالخير هو وجود و إذ كان لحوقه للوجود من دون حيثية تقييدية أصلا كان منتزعا
من نفس حقيقة الوجود فالخير هو الوجود و الوجود هو الخير بالذات و ليس الشر إلا
العدم.
و من هنا يظهر أن للخير مراتب مختلفة بحسب مراتب الوجود المختلفة و
يتبين بذلك مسألتان من المسائل الثلاث المعقود لها هذا الفصل أعني أن الوجود خير و
العدم شر و أن الخير ذو مراتب بحسب مراتب الوجود و أما المسألة الثالثة و هي أن
الوجود قد يكون شرا بالقياس فهي التي بينها بقوله ثم اعلم أن الوجودات إلخ و يتبين
به أن الشر بالقياس إنما يتحقق في عالم المادة فقط لا فيما وراءه و أما ما أشار إليه
من مسألة دخول الشر في القضاء بالعرض فسيتبين في الإلهيات بالمعنى الأخص، ط
نام کتاب : الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة نویسنده : الملا صدرا جلد : 1 صفحه : 340