نام کتاب : أسرار الآيات و أنوار البينات نویسنده : الملا صدرا جلد : 1 صفحه : 182
لم يقع الإحساس بهذا التنين و ما يجري مجراه من حيات الآخرة و
مؤذياتها و لدغها و إيلامها لخدر الطبيعة و غشاوة الحس الظاهري، و أن تلك الحيات و
المؤذيات ليست لها صور خارجة عن ذات الميت، أعني صميم قلبه و عين باطنه و نفسه
المصورة في القيامة بصورة أخلاقه و أعماله، و قد مرت الإشارة إلى أن الصور
المحسوسة بما هي محسوسة بالذات متحد بالجوهر الحاس، بل الروح هي بالحقيقة الحساس
اللامس الذائق الشام، و هي التي يتألم و يلتذ و يتنعم و يتعذب في الدنيا و الآخرة
جميعا، لكن في الدنيا مع غواش و ظلمات و ملابس، و هي خالصة يوم القيامة، فصورة هذا
التنين كانت مع الكافر المنافق قبل موته أيضا متمكنة من باطنه، لكن لم يكن شاعرا
بهذه الحيات و رءوسها و مباديها و صورها و موادها المعنوية، لخدر حسه و غشاوة طبعه
و أمور شاغلة له عن دركها، و حجب حاجبة إياها عن بصيرته، لغلبة الشهوات و الأغراض،
فما أحس بلدغ هذا التنين[1]و
عدد هذه الحيات التي عددها بقدر عدد الشهوات و عدد رءوسها بقدر عدد الأخلاق
النفسانية الرديئة التي هي مبادي الشهوات.
قال بعض العلماء: أصل هذا التنين حب الدنيا التي هي رأس كل خطيئة، و
يتشعب منه رءوس بعدد ما يتشعب من حب الدنيا من الأخلاق الذميمة و ما يتبعها من
الشهوات، و أصل هذا التنين معلوم بنور البصيرة، و كذا كثرة رءوسه، و أما انحصاره
فيما ورد في الحديث المذكور فإنما توقف عليها بنور النبوة لا غير، فهذا التنين
متمكن من صميم فؤاد الكافر لا لمجرد كفره باللّه و جهله البسيط، بل لما يدعوه إليه
كفره من حب الدنيا، كما قال:ذلِكَ
بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ.