المادّيّات و الآثار
المادّيّة إليها، كلّ واحد من حلقاتها نوع منحصر في فرد، و أنّ كثرتها كثرة طوليّة
مترتّبة، منتظمة من علل فاعلة آخذة من أوّل ما صدر منها من المبدأ الأوّل إلى أن
ينتهي إلى أقرب العقول من المادّيّات و الآثار المادّيّة. فتعيّن استناد
المادّيّات و الآثار المادّيّة الى ما هو أقرب العقول اليها، و هو الذي يسمّيه
المشّاؤون ب «العقل الفعال».
- مختلفين؛ فإنّ ربّ النوع
و المثال الأفلاطونيّ- عند من يثبته- موافق في الماهيّة النوعيّة لأفراده
المادّيّة، مع أنّ المثال علّة و أفراده المادّيّة معلولة له. هذا.
و المصنّف قدّس سرّه بعد
ما يبرهن في الفصل العشرين من المرحلة الثانية عشرة على انحصار النوع المجرّد في
فرد، و أنّ الكثرة في العقول إنّما هي كثرة نوعيّة لا فرديّة، يصرّح بأنّ الكثرة
النوعيّة تتصوّر على وجهين: طوليّة و عرضيّة.
و مثله ما في الفصل العاشر
من المرحلة الثانية عشرة من بداية الحكمة، حيث إنّه بعد اقامة البرهان المعروف على
انحصار النوع المجرّد في فرد، قال: «ثمّ إنّه لمّا استحالت الكثرة الأفراديّة في
العقل المفارق، فلو كانت فيه كثرة فهي الكثرة النوعيّة، بأن توجد منه أنواع
متباينة كلّ نوع منها منحصر في فرد. و يتصوّر ذلك على أحد وجهين: إمّا طولا، و
إمّا عرضا. و الكثرة طولا: أن يوجد هناك عقل ثمّ عقل الى عدد معيّن، كلّ سابق منها
علّة فاعلة للاحقه مباين له نوعا. و الكثرة عرضا:
أن يوجد هناك أنواع كثيرة
متباينة، ليس بعضها علّة لبعض و لا معلولا، و هي جميعا معلولات عقل واحد فوقها.»
انتهى.
فكان من الأولى أن يجيب
المصنّف قدّس سرّه عن الاعتراض المذكور بأنّ الحكماء افترقوا فرقتين:
الفرقة الاولى المشّاؤون،
الذين لا يعتقدون بعقول عرضيّة، و يسندون جميع ما في عالم المادّة إلى عقل واحد،
هو آخر العقول الطوليّة، يسمّونه العقل الفعّال.
و الفرقة الثانية
الإشراقيّون، الذين يعتقدون بعقول عرضيّة واقعة في نهاية السلسلة الطوليّة، كلّ
منها يوجد نوعا من الأنواع المادّيّة بأفراده القليلة أو الكثيرة، و يعتني بتدبير
أمرها و إكمالها.
فيسندون وجود افراد
الإنسان و الكمالات الفائضة عليهم إلى جوهر مجرّد عقليّ، هو ربّ نوع الإنسان و
مثاله.
فعلى كلا القولين، فالمفيض
للصور العقليّة عقل واحد شخصيّ. و هو المطلوب.