الفصل الرابع ينقسم
العلم الحصوليّ 1 إلى كلّيّ و جزئيّ بمعنى آخر
فالكلّيّ هو العلم الذي
لا يتغيّر بتغيّر المعلوم الخارجيّ 2، كصورة البناء التي يتصوّرها البنّاء فيبني
عليها؛ فإنّها على حالها، قبل البناء و مع البناء، و بعد البناء، و إن انعدم؛ و
يسمّى علم ما قبل الكثرة 3. و العلم من طريق العلل كلّيّ من هذا القبيل، كعلم
المنجّم بأنّ القمر منخسف يوم كذا ساعة كذا إلى ساعة كذا يرجع فيه الوضع السماويّ بحيث
يوجب حيلولة الأرض بين القمر و الشمس؛ فعلمه بذلك على حاله، قبل الخسوف، و معه، و
بعده. و الوجه فيه أنّ العلّة التامّة في علّيّتها لا تتغيّر عمّا هي عليه؛ و لمّا
كان العلم بها مطابقا للمعلوم، فصورتها العلميّة غير متغيّرة؛ و كذلك العلم
بمعلولها لا يتغيّر؛ فهو كلّيّ ثابت.
و من هنا يظهر أنّ العلم
الحسّيّ لا يكون كلّيّا، لكون المحسوسات متغيّرة.
1- قوله قدّس سرّه:
«ينقسم العلم الحصوليّ»
سواء كان تصورّا أم
تصديقا، كما يظهر من الأمثلة. و سيأتي في التنبيه إمكان تعميمه للعلم الحضوريّ أيضا.
أي: لا يتغيّر بتغيّر
المعلوم بالعرض، كما في بداية الحكمة أيضا.
3- قوله قدّس سرّه:
«يسمّى علم ما قبل الكثرة»
لتقدّمه على مصاديقه
الواقعة في الأعيان. قال صدر المتألّهين قدّس سرّه في الأسفار ج 2، ص 9: «فمن
الكلّيّ ما يتقدّم على الجزئيّات الواقعة في الأعيان. كتصوّرات المبادىء
لمعلولاتها. و يسمّى علم ما قبل الكثرة.» انتهى ما أردناه.