كمال أوّل للشيء من حيث
إنّه بالقوّة، فإنّ الحركة مقدّمة للكمال الثاني و سير إليه.
قال الشيخ في الشفاء- على
ما حكاه عنه في الأسفار ج 3، ص 23- بصدد بيان تعريف أرسطو للحركة:
«الحركة ممكن الحصول و
كلّ ما يمكن حصوله للشيء فإنّ حصوله كمال لذلك الشيء فإذن الحركة كمال لما
يتحرّك، و لكنّها تفارق سائر الكمالات من حيث إنّها لا حقيقة لها إلّا التأدّي إلى
الغير و السلوك إليه، فما كان كذلك فله لا محالة خاصيّتان:
إحداهما: أنّه لا بد هناك
من مطلوب ممكن الحصول، ليكون التوجّه توجّها إليه.
الثانية: أنّ ذلك التوجّه
ما دام كذلك فإنّه بقي منه شيء بالقوّة؛ فإنّ المتحرّك إنّما يكون متحرّكا بالفعل
إذا لم يصل إلى المقصود، فما دام كذلك فقد بقي منه شيء بالقوّة؛ فإذن هويّة
الحركة متعلّقة بأن يبقى منها شيء بالقوّة، و بأن لا يكون الّذي هو المقصود من
الحركة حاصلا بالفعل. و أمّا سائر الكمالات فلا توجد في شيء منها واحدة من هاتين
الخاصيّتين.» انتهى.
ثمّ لا يخفى عليك: أنّ
الشيخ في كلماته المذكورة هنا- كما يصرّح بذلك أيضا في الفصل الأوّل من المقالة
الثانية من طبيعيات الشفاء ط. مصر ص 82 يفسّر تعريف أرسطو بأنّ الحركة كمال أوّل
لما بالقوّة بالنسبة إلى الكمالين من حيث إنّه بالقوّة بالنسبة إلى الكمالين
كليهما، حيث إنّ الحركة إنّما تكون موجودة ما لم يصل المتحرّك إلى المقصود، فقد
بقي منها شيء بالقوّة، فالمتحرّك ما دام متحرّكا يكون بالقوّة بالنسبة إلى ما لم
يتلبّس بعد به من الحركة، كما أنّه بالقوّة بالنسبة إلى الوصول إلى الغاية.
9- قوله قدّس سرّه:
«لأنّ السلوك متعلّق الوجود به»
فإنّ الحركة إذا لم تتوجّه
إلى مقصد لم تكن حركة. فتذكّر ما مرّ في الفصل الحادي عشر من المرحلة الثانية من
قوله قدّس سرّه: «... و هذا الكمال الثاني هو المسمّى غاية الحركة، يستكمل بها
المتحرّك، نسبتها إلى الحركة نسبة التمام إلى النقص، و لا يخلو عنها حركة، و إلّا
انقلبت سكونا.» انتهى.
و لكن لا يخفى عليك: أنّ
الحركة إنّما تحتاج إلى جهة تتوجّه إليها و إن لم تنته إلى غاية،