- أعني الماهيّة و
الوجود- بحذاء ما له من الواقعيّة و الحقيقة، و هو المراد بالأصالة، و الحيثيّة
الاخرى اعتباريّة 10، منتزعة من الحيثيّة الاصيلة، تنسب إليها الواقعيّة بالعرض.
و إذ كان كلّ شيء إنما
ينال الواقعيّة إذا حمل عليه الوجود و اتّصف به 11، فالوجود هو الذي يحاذي واقعيّة
الأشياء. و أمّا الماهيّة فإذ كانت مع الاتّصاف بالوجود ذات واقعيّة، و مع سلبه
باطلة الذات، فهي في ذاتها غير أصيلة، و إنّما تتأصّل 12
الواقعيّة العينيّة لا
بمعنى أنّ لكلّ منهما واقعيّة تخصّه- كما يذهب إليه بعض من ينسب إليه القول
بأصالتهما- بل بمعنى أنّ الواقعيّة الخارجيّة و هي واحدة مصداق حقيقيّ لمفهوم
الوجود كما أنّها مصداق حقيقيّ لمفهوم الماهيّة، يحكي الأوّل ما به يشترك مع غيره
و الثاني يحكي ما به يمتاز عن غيره في حين إنّ ما به الاشتراك عين ما به الامتياز
بحسب الواقع الخارجيّ.
نعم! الماهيّة اعتباريّة
بمعنى أنّها إذا لو حظت في حدّ نفسها لم تكن موجودة و أنّها تصير موجودة بالوجود
لا بنفسها.
10- قوله قدّس سرّه: «و
الحيثيّة الاخرى اعتباريّة»
فالقائل بأصالة الوجود
يقول: إنّ الواقعيّة الخارجيّة ليست إلّا بحذاء مفهوم الوجود. و أمّا الماهيّة فهي
مفهوم اعتبره الذهن للحكاية عمّا به يمتاز هذا الوجود عن سائر الوجودات، في حين
إنّ ما به الامتياز في الخارج ليس إلّا نفس الوجود و عينه. و بعبارة اخرى: ليست
الماهيّات على هذا القول إلّا ظهورات الوجود للأذهان كما سيصرّح المصنّف قدّس سرّه
به في هذا الفصل.
و القائل بأصالة
الماهيّة يقول: إنّ الواقعيّة الخارجيّة مصداق للماهيّة حقيقة، فما في الخارج هي
الماهيّة، و أمّا مفهوم الوجود فهو مفهوم اعتبره الذهن للحكاية عن أصالة الماهيّة
و تحقّقها، في حين إنّ الأصالة و التحقّق في الخارج ليست إلّا نفس الماهيّة و
عينها.
11- قوله قدّس سرّه: «و
إذ كان كلّ شيء إنّما ينال الواقعيّة».
حاصله: أنّا نرى أنّ
الشيء إنّما يصير واقعيّا باتّصافه بالوجود في الخارج و بامكان حمله عليه في
الذهن. و كلّ ما بالعرض ينتهي إلى ما بالذات. فالوجود هو الموجود بالذات و غيره موجود
به.
و هذا هو معنى الأصالة،
إذ لا يعنى بالأصيل إلّا الموجود بالذات.
12- قوله قدّس سرّه: «و
إنّما تتأصّل»
لمّا كانت الأصالة بمعنى
التحقّق بالذات و كان كون الشيء بالذات مقابلا لكونه بالعرض، كان الأولى أن يقال:
«و إنّما تتحقّق بعرض الوجود» أو يقال «و إنّما تنال الواقعيّة بعرض الوجود».